شام تايمز – متابعة
صدرت منتصف يناير 2025، في أكثر من مئة بلد، وبلغات عدّة، من قِبل دور نشر عالمية أول سيرة ذاتية لحبرٍ أعظم، يتم نشرها وهو لا يزال على قيد الحياة.
يضمّ كتاب “الأمل” الصادر عن دار “ألبين ميشل” الفرنسية، 25 فصلاً، كتبها البابا فرنسيس بمساعدة ناشره كارلو روسو. وقبيل صدورها، كان السؤال الأبرز، هل ستكون السيرة على شاكلة الاعترافات الشهيرة للقديس أغوستين، أحد آباء الكنيسة الكبار، الأولى من نوعها في التاريخ، أم هي سيرة روحية وعظية، تحمل توجيهات البابا حول العصر وأحداثه؟
تمهيد ملفت كتبه البابا في مقدمة الكتاب: “السيرة الذاتية ليست قصتنا الخاصة، بل هي الأمتعة التي نحملها معنا. والذاكرة ليست فقط ما نتذكره، بل ما يحيط بنا. إنها لا تتحدث فقط عما كان، بل عما سيكون. الذاكرة، بكلمات شاعر مكسيكي، هي الحاضر الذي لا يتوقف عن المرور”.
وأسئلة شخصية تحمل تأنيباً للضمير، لا يفتأ يذكرها البابا إلى جانب أحداث أخرى مفرحة وعادية، وهو يتحدث عن طفولته في حي فلوريس، الذي تقطن فيه أعراق وديانات مختلفة، كما يتحدث عن عشقه لكرة القدم والقراءة والسينما، وقصته وهو مراهق مسكون بالرغبة في الارتباط بالكنيسة، لكنه مع ذلك يرقص التانغو مع فتاة.
وقائع ستحدّد خياراته في المستقبل، لكن ما سيؤثر فيه بشكل أعمق، هو ما يعتبره أخطاء ارتكبها. على غرار حكاية المرأة التي كانت تساعد والدته في الأعمال المنزلية. وحين جاءت لزيارته، عندما أصبح رئيساً لإحدى الجامعات اليسوعية، لم يستقبلها بسبب كثرة انشغالاته، فسبّب له ذلك ندماً شديداً.
ثم حكاية درّاجة أعارها لطالب فقير أعادها له مكسورة، فطالبه بإصلاحها. وأحسّ بعدها بذنب كبير لازمه طويلاً، ولم يستطع التحرر منه إلا بالاعتذار له. وقال أمام الرهبان الحاضرين بعد أن جرى انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية سنة 2013، كأول بابا يسوعي ومن أميركا اللاتينية: “أنا خطّاء كبير، لكني أرضخ، واثقاً من رحمة الله وصبره”.
يُستشفّ من السيرة الذاتية للبابا، المزاوجة بين هذين المنحيين: الرعاية الدينية من جهة، والعمل على التأثير إيجاباً بالناس وبأحداث العالم الكبرى. هذا المنحى الأخير، هو الذي استرعى انتباه الكثير من الأقلام في الصحف العالمية، التي بحثت عن مواقف قوية من لدن البابا، بخصوص العديد من القضايا الخلافية الكبرى، كأزمة المناخ والتطوّرات التكنولوجية والتسلح والحروب، ودور الدين في المجتمعات.
وفضلاً عن الإشارة إلى مشكلات الغرب المجتمعية، والصراعات الدموية العالمية المتعددة، يُظهر كتاب “الأمل”، بالنسبة لقارئ غير مسيحي، وجهاً جامعاً يوحّد الرؤى من خلال سرديته الأدبية الخاصة، بمحكياته المتعددة. ومن بينها حكاية لقائه مع كاتب الأرجنتين العالمي، خورخي لويس بورخيس، الذي اعتبره موقع إذاعة “بي بي سي”، فصلاً مهماً جديراً بالذكر.