دراسة الجدوى التمهيدية للمشروعات الاستثمارية

كثيراً ما يواجه رجل أعمال أو المستثمر عند بدء تفكيره بإقامة مشروع جديد أو توسيع مشروعه القائم مجموعة من الأسئلة والبدائل والاختيارات، وبخاصة في أحوال المنافسة وتكلفة رأس المال، حيث يسعى لأن تكون قراراته على قدرٍ كبيرٍ من الجدوى والدقة. ومن المعروف أن رأس المال غالباً من يُنظر إليه على انه أحد عوامل الإنتاج النادرة والأكثر تكلفة، وبالتالي فإن كفاءة تخصيصه وإدارته تمثل التحدي الأكبر للمشروع الاستثماري.

ولعل أغلب حالات التعثر التي أصبحت تتزايد على صعيد المشاريع الجديدة إنما تكمن في ضعف دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع أو عدم القيام بها أصلاً !! . فكيف يمكن معرفة الفرصة الاستثمارية المجزية؟ وما هي البدائل المتاحة بهذا الشأن؟ وكيف يمكن الحكم بصورة سريعة على الفرص الأكثر ريعية؟ وكيف يمكن تجنب أسلوب التقليد والاندفاع نحو مشاريع تبدو براقة ولكنها غير مجزية على المدى البعيد؟

جميع هذه الأسئلة التي تدور عادةً في ذهن أي مستثمر جديد تتركز في ما أصبح يُعرف (بدراسة الجدوى التمهيدية أو الأولية) والتي يستطيع أي مستثمر بنفسه أو بالاستعانة بأحد المختصين القيام بها لبلورة قراره الاستثماري واختيار البدائل الصحيحة.

ماهية دراسة الجدوى التمهيدية وأهدافها: لاشك أن التسمية التي تم إطلاقها على هذا النوع من الدراسة يعطي الكثير من الدلالة على مضمونها، فهي تعتبر مرحلة وسيطة بين دراسة الفرص الاستثمارية وبين دراسة الجدوى التفصيلية، وهي مرحلة تمهيدية يمكن من خلالها تقدير مدى جاذبية بعض الأفكار الاستثمارية وصلاحيتها للاستثمار قبل الخوض في وضع دراسة الجدوى التفصيلية التي تتطلب جهداً وتكلفة أكبر.

كما أنه كثيراً ما يوجد بدائل عديدة للمشروع الواحد مما يجعل إجراء دراسة تفصيلية لجميع هذه البدائل أمراً مكلفاً ويحتاج وقتاً طويلاً، ومن هنا يمكن إجراء دراسة مبدئية مختصرة لمختلف البدائل يمكن من خلالها المفاضلة بين البدائل واعتماد الأفضل ليجري عليه دراسة جدوى تفصيلية، ويمكن القول إنه يتم في دراسة الجدوى التمهيدية بلورة فكرة المشروع والتحقق من: –

1 –     أن فكرة المشروع تدعو للتفاؤل من الناحيتين الفنية والاقتصادية بحيث تستحق الدراسة التفصيلية.

2 –     أن فكرة المشروع تتفق مع الأهداف والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.

ويمكن تعريف دراسة الجدوى الأولية بأنها (وسيلة عملية وعلمية توضح للمستثمر إمكانيات أو احتمالات النجاح أو الفشل المبدئي قبل الاستغراق في التفاصيل المختلفة القانونية والتسويقية والفنية والمالية والتجارية والاجتماعية.

وبالنظر لبساطة دراسة الجدوى التمهيدية، والتي عادةً ما يقوم بها المستثمر بنفسه أو بالاستعانة بمكاتب الدراسات المختصة أو الأجهزة الحكومية المسؤولة عن ترويج الاستثمار، فإنه يتم إعدادها استناداً إلى البيانات المتوفرة والتي يمكن جمعها وإعدادها بشكل سهل، فإذا ما تبين من الدراسة الأولية أن المشروع المقترح تتوافر له عناصر النجاح يتم اتخاذ القرار بالاستمرار في وضع الدراسة التفصيلية.

من ناحية ثانية يمكن أن يترتب على إجراء الدراسة التمهيدية للجدوى إجراء دراسات أخرى مدعمة (Support Studies) وذلك في أحد الجوانب الرئيسية للمشروع مثل دراسة السوق أو دراسة المواد الأولية أو دراسة للمواقع المحتملة، أو الأساليب التكنولوجية، وغالباً ما يتزامن هذا النوع من الدراسة مع المشاريع الضخمة التي تتطلب تكاليف استثمارية كبيرة، فإذا وجد مثلاً أن الجانب التسويقي يتطلب المزيد من البحث والتعمق قبل إجراء الدراسة التفصيلية، فإنه يتم القيام بدراسة منفصلة للسوق تعطي تنبؤات دقيقة بمدى نصيب المشروع من السوق، فإذا ما كانت النتائج إيجابية يتم إجراء الدراسة التفصيلية بمختلف جوانبها الأخرى.

الهدف من إعدادها: إن الهدف من إعداد وتنفيذ هذه الدراسة هو دراسة الأفكار الاستثمارية بشكل عام لاختيار أفضلها والتي تخضع بعد ذلك لدراسة جدوى تفصيلية.

ولقد أوضح دليل (اليونيدو) (منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية) أهداف هذه الدراسة عبر النقاط الرئيسية التالية: –

1 –     التأكد من أن جميع بدائل المشروع الممكنة قد تم بحثها.

2 –     التأكد من أن فكرة المشروع تبرر إجراء تحليل تفصيلي في دراسة الجدوى.

3 –     معرفة جوانب المشروع التي تشكل عاملاً حاسماً بالنسبة إلى جدوى المشروع وتتطلب بحثاً متعمقاً من خلال دراسات داعمة مثل استقصاء السوق والاختبارات في مصانع تجريبية.

4 –     التأكد من الحالة البيئية في الموقع المعتزم والأثر المحتمل لعملية الإنتاج وبشكل مختصر يمكن القول إن الهدف من دراسة الجدوى المبدئية يتركز على التأكد من عدم وجود مشاكل جوهرية تعوق تنفيذ الاقتراح الاستثماري.

ولا شك أخيراً أن إعداد دراسات الجدوى سواءً الأولية أو التفصيلية تشكل نقطة بداية حالة التعافي في بلدنا وحجر الأساس لقيام مشروعات ناجحة وقادرة على دعم عملية الانتعاش الاقتصادي المطلوبة.

 

كتبه: د. عامر خربوطلي

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …