مع تزايد اعتماد الدول على القطاع الخاص في تحريك عملية النمو، يتزايد الجدل حول أفضل النظم التي تضمن قدرة هذا القطاع على القيام بذلك الدور. وفي هذا الإطار يوجد نماذج مختلفة لجمعيات واتحادات الأعمال كما يوجد أيضاً بدائل كثيرة مختلفة.
ولا يعني ذلك أن على الدول أن تقوم باستنساخ نظام الغرف في دولة أخرى فالمنظمات والمؤسسات يجب أن تكون متوافقة مع السياق الوطني إذا كان النجاح هدفاً لها.
يتمحور التركيز حول غرف التجارة لأنها منظمات أعمال متعددة القطاعات لها دور هام في جميع أنحاء العالم وللغرف أيضاً سمات مشتركة تميزها عن جماعات الأعمال الأخرى، مثل: جمعيات التجارة وجمعيات أصحاب الأعمال، تشتمل هذه السمات المشتركة على عدم استهداف الربح وعلى التنظيم الجغرافي الذي ينظم قطاعات مختلفة عاملة في نطاق جغرافي واحد، كما تشترك جميع الغرف أيضاً في أن لها مهمة ثنائية تتمثل في توفير خدمات أساسية لأعضائها وفي تقديم المشورة للحكومة ومحاولة التأثير عليها لخلق بيئة مواتية للأعمال.
وفي كثير من نظم غرف النموذج الأوروبي والنموذج الأنجلو ساكسوني، تنضم الغرف تحت مظلة غرفة وطنية، كما قامت بعض الدول بالدمج بين معالم كلا من النظامين لتتناسب مع مقتضيات التنمية الاقتصادية والسياسية فيها.
تتمتع الغرف الأوروبية المنشأة طبقاً لقانون عام بميزة تنافسية تتمثل في ضرورة انضمام جميع شركات الأعمال إلى عضوية الغرفة بحكم القانون، وبالإضافة إلى ما تحققه تلك الغرف من قوة مالية نتيجة لضمان مصدر مالي يتمثل في رسوم العضوية الإلزامية.
وخدمات العضوية الأخرى وهي من مصادر الدخل الرئيسية في الغرف الأوروبية والمختلطة عامة وغرف النموذج الانجلو ساكسوني خاصة، كما تحصل بعض الغرف على دعم حكومي محدود أو على تمويل عام للقيام بالترويج السياحي والتنمية الاقتصادية الخ…
ومزايا ارتفاع حجم الموارد المالية واضحة؛ فأولاً: يمكن لبعض الغرف تقديم خدمات أكثر عند مستوى أقل من الرسوم، وفي بعض الأحيان بدون رسوم على الإطلاق لبعض تلك الخدمات وهو ما يعتبر إضافة أكيدة بالنسبة للعضوية وللتوظيف. بل وتقوم كثير من غرف النموذج الأوروبي بدعم خدماتها مالياً مثل توفير الخبرة الاستشارية وتنظيم الندوات للشركات صغيرة الحجم.
تقدم الغرف الأوروبية والمختلطة خدمات متعددة لأعضائها، بالإضافة إلى تلك الخدمات التي تقدمها الغرف الأخرى مثل: المطبوعات والمعارض التجارية والندوات وأنشطة التدريب، ومنها:
- الخدمات الاستشارية المجانية فيما يتعلق بالأمور المالية والضرائب والأمور الإدارية والعمالية.
ولكن غرف النموذج الانجلو ساكسوني ذات العضوية الاختيارية تقدم أيضاً لأعضائها مجموعة من المزايا مثل: نشر وتوزيع المعلومات الخاصة بقطاعات الأعمال، وأنشطة التدريب، والخدمات الاستشارية للشركات صغيرة الحجم.
وتعتبر جودة الخدمة المقدمة دافعاً هاماً للغرف ذات العضوية الاختيارية، ويرجع ذلك إلى أن وجود تلك الغرف وضمان قاعدتها المالية يعتمد بشكل مباشر على إرضاء العملاء من خلال تصميم خدمات مستهدفة.
وهناك أساليب متعددة يمكن إتباعها عند خلق (غرفة) “مثلى” فيدعى بعض خبراء الغرف على سبيل المثال أن عناصر القوى الرئيسية بالنسبة للغرف الأوروبية هي وضعها القانوني المميز الذي يؤهلها لتحقيق نتائج مؤثرة ويدعم قواعدها المالية، ولكن هذا الوضع المميز وسهولة الاتصال بالمسؤولين الحكوميين يحمل إمكانية التدخل الحكومي في شؤون تلك الغرف.
ومن جهة أخرى عادةً ما يؤدي الدخل المضمون الذي تحصل عليه غرف القانون العام من رسوم العضوية الإلزامية مباشرة، أو من الرسوم المحتسبة على أساس الضرائب إلى عدم كفاءة الأداء جنباً إلى جنب مع الرضا الذاتي عن الخدمات المؤداة إلى الأعضاء، بالإضافة إلى ذلك يزيد احتمال الخضوع إلى الحكومة حيث تعتبر الجهة التي تضمن في النهاية القاعدة المالية لتلك الغرف.
وعلى النقيض من ذلك تعتبر الاستقلالية العلامة المميزة بالنسبة لغرف النموذج الأنجلو ساكسوني؛ فهي تحمي حرية الأفراد والشركات في الانضمام فقط إلى المنظمات التي تمثل مصالحهم؛ فهذه المنظمات والغرف باعتبارها منظمات غير حكومية يمكنها الجدل مع الهيئات الحكومية حول آراء أعضائها دون الخوف من عواقب سلبية رسمية.
وهناك سبل أخرى يمكن للدول إتباعها لتعزيز منظمات الأعمال ومنها:
- القيام بمهام أخرى من مهام الحكومة ومنها: أنشطة ترويجية مثل البعثات التجارية والندوات والدورات أو أنشطة خدمية مثل التعليم الحرفي والتدريب المهني، ولا يقتصر هذا المنهج على تمكين الغرف من زيادة الخدمات التي تقدمها للأعضاء والقيام بوظائف هامة بالنسبة لقطاع الأعمال، وإنما يساعد أيضاً على تعزيز الموارد المالية للغرف فتخصيص بعض الخدمات العامة يساعد بدوره الحكومات على تخفيض نفقاتها، والأساس هنا هو قيام الحكومة بتفويض تلك المهام.
- مراجعة قوانين الغرف والقواعد الأخرى المنظمة لها: أبدى صانعو السياسة في العديد من الدول التي تتبع نظام غرف القانون العام استعدادهم على تعديل تلك القوانين. بل وبعض القواعد المنظمة لقطاع الأعمال من أجل زيادة مستوى الإدارة الذاتية بها، وبينما ترغب بعض الحكومات في الاحتفاظ بحقها العام في الإشراف، لتضمن جودة مستوى الخدمات المؤداة ولضمان المصدر المالي المعفى من الضرائب؛ فإن تلك الحكومات يمكن أن تسمح للغرف بمراجعة وتعديل لوائحها الداخلية، وبتقديم خدمات جديدة دون الحاجة على الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة.
- تعزيز الاتجاه نحو تقديم خدمات الحوافز المالية: تعتمد استمرارية الحيوية لدى الغرف في نهاية الأمر على مدى رضا مجتمع الأعمال عن مستوى أدائها لذلك يجب التأكد من أن لديها المصادر الكافية للقيام بعملها ولكن إلى الحد الذي لا يحولها إلى منظمات راكدة مطمئنة إلى توافر موارد مالية دون الاحتفاظ بمستوى أداء مقبول فالدخل المتولد عن مصدر واحد من المصادر المالية مثل رسوم العضوية يجب أن يصرف على تمويل بند من بنود الميزانية وفي حال عدم تحديد أنشطة الغرف بموجب القانون يكون لإدارة الغرف حافز قوي للبدء في تقديم خدمات مولدة للدخل.
إن صلاحية تلك البدائل، أو نموذج معين من نماذج الغرف للتطبيق في دولة معينة يرتبط بتاريخها وحاضرها الثقافي، حيث لا يمكن لمنظمات مثل غرف التجارة بهياكلها المركبة أن تتطور خلال مدة قصيرة ويجب أن يكون الهدف هو تعزيز مساهمة قطاع الأعمال في المجتمع.
واليوم وبعد أزمة مرّت بها سورية لا يمكن فصل دور الغرف عن بيئة ومناخ الأعمال وبقدر ما تكون الغرف ممثلة وداعمة لقطاع الأعمال الخاص ومرجعاً له بقدر ما تنجح في القيام بالمهام والمسؤوليات المناطة بها وتقديم جملية الخدمات والنشاطات المعززة لدور القطاع الخاص ورفع التنافسية والمشاركة الفاعلة في العملية التنموية لما بعد الأزمة.
كتبه: د. عامر خربوطلي