شام تايمز – متابعة
كشف فريق علمي دولي النقاب عن لغز دام لعقود يتعلق بإحدى أشهر لوحات الفنان الأمريكي جاكسون بولوك، مؤسس مدرسة “التعبيرية التجريدية”.
فبعد 77 عاما من إنشائها، تم التأكد لأول مرة من أن اللون الأزرق النابض بالحياة في لوحة “الرقم 1 أ، 1948” (Number 1A, 1948) هو صبغة “أزرق المنغنيز” (Manganese Blue)، وهي صبغة اصطناعية تم إيقاف إنتاجها في التسعينيات بسبب سميتها العالية والمخاوف البيئية.
وقام فريق بحثي مكون من علماء من متحف الفن الحديث (MoMA) في نيويورك، وجامعة ستانفورد، وجامعة مدينة نيويورك، بأخذ عينات مجهرية من الطلاء الأزرق في اللوحة. وباستخدام تقنية متطورة تعتمد على تشتيت الضوء بواسطة الليزر وقياس اهتزازات الجزيئات، تمكن العلماء من الحصول على “بصمة كيميائية” فريدة للون.
وأكدت النتائج، التي نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، أن التركيب الكيميائي يتطابق تماما مع صبغة أزرق المنغنيز.
كانت صبغة أزرق المنغنيز تستخدم منذ الثلاثينيات وحتى التسعينيات من القرن العشرين. وبخلاف الاستخدام الفني، استخدمت هذه الصبغة أيضا في تلوين أسمنت حمامات السباحة، إلا أنه تم حظرها ومنع إنتاجها في نهاية المطاف من قبل المجتمع الفني بسبب المخاوف من سميتها، حيث يمكن أن يسبب استنشاقها أو ابتلاعها اضطرابات في الجهاز العصبي، وفقا لموسوعة الحفظ ومواد الفنون على الإنترنت (CAMEO).
ومن المثير للاهتمام أن بولوك الذي كان يعاني من إدمان الكحول معظم حياته، كان على الأرجح غير مدرك للمخاطر الصحية الكامنة في هذه المادة في وقت إنشاء اللوحة.
ولا يقتصر هذا الكشف على كونه مجرد فضول فني، بل يقدم “سياقا حاسما للحفاظ على عمله” وفهمه. وتعد معرفة التركيب الكيميائي الدقيق للألوان المستخدمة أمرا بالغ الأهمية لعلماء الترميم للحفاظ على اللوحات الأصلية ومنع تلفها مع مرور الوقت.
وتعرض لوحة “الرقم 1 أ، 1948” في متحف الفن الحديث (MoMA) في نيويورك، ويبلغ عرضها نحو 2.7 متر (9 أقدام). وهي مثال بارز على أسلوب بولوك المسمى “الرسم الحركي” (Action Painting)، الذي يركز على فعل الرسم الجسدي نفسه أكثر من الموضوع.
وصنع بولوك هذه اللوحة بطريقة غريبة ومباشرة. فقد كان يثقب علب الطلاء أو يستخدم عصا ليرش ويقطر ألوان الزيت والطلاء المينائي بكل حرية وعفوية.
ولم يكن يضع القماش على حامل تقليدي، بل كان يبسطه على أرضية مرسمه الكبير، الذي كان عبارة عن حظيرة قديمة (سقيفة) حولها إلى استوديو في منطقة لونغ آيلاند.
ولإضافة لمسة شخصية أخيرة، غمس يده في الطلاء وضغطها على اللوحة بالقرب من الزاوية اليمنى العليا للوحة، وكأنه يوقع على تحفته بتوقيع لا يمكن تقليده.
وعلى عكس المظهر الفوضوي الظاهر، رفض بولوك تفسير أعماله على أنها عشوائية، قائلا: “الفنان الحديث يعمل بالفضاء والزمن، ويعبر عن مشاعره بدلا من أن يصور”.
وخلال فترة إنشاء هذه اللوحة (1948)، توقف بولوك عن إعطاء لوحاته عناوين موحية وبدأ في ترقيمها فقط. وعلقت زوجته، الفنانة لي كراسنر، قائلة: “الأرقام محايدة. إنها تجعل الناس ينظرون إلى اللوحة على حقيقتها – كلوحة خالصة”.