المعتقل السوري مازن الحمادة في كتاب “سيرة مغيّب”

شام تايمز – متابعة

صدرعن دار الجديد في بيروت كتاب “لم يعد معنا: سيرة مغيّب” للصحافية الاستقصائية الفرنسية غارانس لوكان ، التي تحكي سيرة المعتقل السوري “مازن الحمادة”.

بذلت الصحافية الاستقصائية الفرنسية غارانس لوكان، جهداً واضحاً في تجميع شهادات مازن بين 2011 و 2020، فضلاً عن جهودها في “وثائقي قيصر”. ونُسب الكتاب في ترجمته العربية إليهما معاً، فمنذ التقته للمرة الأولى عام 2015، اتفقت معه أن يكتبا كتاباً معاً.

اختارت الصحافية أن تقسّم كتابها إلى أربعين فصلاً، هي أقرب إلى مقاطع قصيرة وشذرات والتماعات تذكّر، فضلاً عن ربط تجربة اعتقاله بغيرها من التجارب العالمية المشابهة.

في صيف عام 1977، ولد مازن الحُمادة في دير الزور السورية، وكان يفترض أن يعيش حياة عادية، وأن يتزوج بعد تخرّجه من معهد النفط في سوريا، وخصوصاً أنه حصل على وظيفة جيدة في شركة فرنسية.

شاب ذو ملامح هادئة، كان بإمكانه أن يجلس في مقهى يحتسي قهوته، ويسمع فيروز تغني، وينتظر أطفاله العائدين من المدرسة. فهو كان من هؤلاء “العاديين”، الذين لا يخططون أن يصبحوا أبطالاً، ولا يتوقعون أن تتداول نشرات الأخبار أسماءهم.

لكن البطل التراجيدي لا يحتاج سوى إلى غلطة بسيطة، كأن ينتهي من رشف قهوته، ثم ينتبه وهو من أبناء دير الزور، إلى تظاهرة في الشارع.

وبدافع خفي، يتحرّك مع أجساد الناس، وبحكم أنه ما زال شاباً في الرابعة والثلاثين، فقد صدّق الشعارات. إذ ليس هناك ما هو أسوأ من تصديق شعارات العدالة والحرية والكرامة، داخل كابوس دموي أشعله فرد واحد كي يهزم شعباً.

ربما لم يندفع بجسده النحيل وسط المظاهرة، وإنما احتفظ لنفسه بمسافة آمنة مكتفياً بتصوير مقطع فيديو بهاتفه على سبيل الذكرى.

كان هذا كافياً كي تنتبه له أعين الأمن اليقظة، فتعتقله هو وهاتفه كي يقضي أسبوعاً خلف أسوار المعتقل، ثم يتم يُعتقل لأسبوعين آخرين.

ربما لو غضّت عين الأمن طرفها عنه، لأكمل مازن طريقه إلى بيته محاذراً، كي لا يتورّط في شيء. وربما استمرّ حياً يمارس حياته كإنسان عادي. لكن القدر رتب له شيئاً آخر.

بين عامي 2011 2013، اعتقل أكثر من مرّة، وأفرج عنه أحياناً بلا محاكمة، وحين أطلق القاضي سراحه نجح في المغادرة عبر البحر مخاطراً بحياته، ليصل لاجئاً إلى هولندا عام 2014.

هناك قضى مازن بضع سنوات مصرّاً أن يوصل “صوت المعذّبين في سوريا إلى العالم الحرّ في أوروبا وأميركا”. تحدّث عن قصص المعتقلين والموتى تحت التعذيب، شارك في مؤتمرات وجلسات استماع وأفلام وثائقية عدّة.

أحياناً كان مازن يتألم ويتقيأ، وأحياناً فكّر في النأي بنفسه، كما خطر في باله أن يعود ويشارك في التغيير من الداخل، لكن الأهل والأصدقاء حذّروه: “من الأفضل أن تبقى في الخارج كي تدافع عن القضية”.

عام 2020  تلقّى مازن إشارة من أفراد تابعين لنظام الأسد، ترحّب بعودته إلى سوريا مقابل الإفراج عن معتقلين، فذهب إلى السفارة السورية في برلين، وأخذ جواز سفر، لكن الدعوة كانت بمثابة “فخ” له، فقبضوا عليه فور عودته إلى مطار سوريا، ليبدأ الفصل الثالث والأخير من رحلته المأساوية التي قاربت 15 عاماً.

ربما ثمّة حاجة إلى إصدار طبعة جديدة من الكتاب، تتضمن ما جرى لمازن في سنواته الخمس الأخيرة، مختفياً في سجون نظام الأسد.

وقد نشرت وسائل الإعلام ومنصّات التواصل، تفاصيل مهمة حول كيفية وقوع مازن ضحية لمخطط، دبّره جهاز مخابرات النظام السابق، الذي استعان بشبكة تجسّس تعمل من هولندا، لاستهداف المعارضين بقيادة العميل “ماجد”، الذي أقنعه بالعودة إلى سوريا بعد أن حصل على اللجوء في هولندا.

استغلّ “ماجد” موجة اللجوء السوري إلى أوروبا، وعرض خدماته على النظام، فتولى مهمة إقناع المعارضين بالعودة إلى وطنهم، وأخبر مازن بأنه سيكون في أمان، مع التهديد بأن شقيقته ستتعرض للاعتقال إذا رفض العرض.

وفّر له أحد مساعدي “ماجد” جوازاً مزوّراً، مستخدماً اسماً مستعاراً، لتمكينه من العودة عام 2020، لكن أثره اختفى إلى أن وجدوا جثته في مستشفى “حرستا” في ريف دمشق، وسط عشرات الجثث التي يعتقد أنها نقلت من سجن صيدنايا الرهيب، مع الترجيح بأنه قضى نحبه قبل أسبوع فقط من سقوط نظام الأسد.

 

شاهد أيضاً

“سوق الأسئلة”.. مسرحية على خشبة القباني

شام تايمز – متابعة حوّل الكاتب “غزوان البلح” رواية “رصاصة” للكاتب الراحل “فؤاد حميرة” لتبصر …