شام تايمز – متابعة
في كتابه “المتنبي في مرآة الاستشراق” (الآن ناشرون وموزعون، 2025)، يستند الباحث الأردني حمزة أمين إلى ما دوّنه بلاشير في كتابه “أبو الطيب: دراسة في التاريخ الأدبي”، الذي صدر في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين وربما كان أول دراسة غربية شاملة وموسعة حول سيرة الشاعر العباسي وحضوره في عصره.
يناقش الفصل الأول التاريخ الشعري للمتنبي من منظور المستشرق الفرنسي، الذي يميل في جزء من كتابه، كما يرى المؤلّف، إلى التقليل من شأن المتنبي، لأنه ظل يراوح في منطقة العبودية الشعرية للسلطة وإغراء المال، فبقي في دائرة القصيدة الجاهلية وأغراضها، مثل الهجاء والمديح والرثاء.
ويسوق أمين بعض الأدلة لدحض آراء بلاشير، والتي تعامل معها من زاوية الأخطاء التأريخية، وكان يمكنه أن يضعها في إطار تعدّد الآراء حول المتنبي سواء في الثقافة الغربية، والعربية أيضاً. فإذا كان بلاشير يقول بتأثّر المتنبي بالقرامطة ويدلل على ذلك من خلال شعره، ومن خلال إقامته في البادية، فإن إبطال هذا الرأي لا يكون بالاكتفاء بإثبات أن البادية التي أقام فيها الشاعر لم تكن بيئة خصبة للدعوة القرمطية، لأنها دعوة سرية وكان يمكن لها أن توجد في أي مكان حتى في بلاط الخلفاء والأمراء الذين يحاربونها. كما أن مذهب المتنبي مثار خلاف بين النقاد، فذهب محمود شاكر، على سبيل المثال، إلى افتراض علويته وارتباطه بالإمام المنتظر عند الشيعة، وقال بعض النقاد بإلحاده وعدم انشغاله بأمور الدين.
وخصّص الباحث الفصل الأول من الكتاب لمناقشة أفكار المتنبي وعقيدته وتاريخه الشعري، بينما ركّز الفصل الثاني على دراسة السمات الفنية لشعر المتنبي من منظور بلاشير، أي السمات الفنية التي استوقفته في شعر المتنبي، وهي: الغامض والغريب، والولوع بالتشبيهات والاستعارات، والطباق، وحسن التخلص. فالمتنبي امتلك معرفة هائلة باللغة والنحو، وبما أنه ينتمي إلى مدرسة الكوفة، فكان مولعاً بتوظيف الشاذ والغريب في شعره، وكأنه يستعرض معرفته النحوية، وبرع في تشبيهاته واستعاراته، وخاصة الطباق الذي يشكّل ظاهرة تستحق التوقف عندها، وهي تكشف عن رؤيته للوجود والحياة والموت وفلسفة المصير؛ فدائماً هناك تقابل حاضرٌ بين العظيم والصغير وبين الموت والحياة وبين الداء والشفاء، لذلك فهو يذهب بالأمور إلى حدّها الأخير. أما حسن التخلُّص فهو السمة الأبرز في شعر المتنبي من وجهة نظر بلاشير.