تحويل بيت السياب إلى متحف عراقي

شام تايمز – متابعة

حتى ستينيات القرن الماضي، ظل بيت الشاعر بدر شاكر السياب مأهولاً بثلاثة أجيال من آل السياب، قبل أن يبدأ خلوّه التدريجي بفعل وفاة الكبار وهجرة الأبناء نحو المدن.

مع هذا الغياب، بدأ البيت يتحوّل تدريجياً إلى أغراض أخرى؛ مرّة مخزناً لمحصول الطماطم الذي كان يزرعه عبد المجيد السيّاب، عمّ الشاعر، ثم مقراً لنادٍ رياضي صغير أسسه شباب العائلة، ثم ملعباً لكرة القدم والطائرة.

في السبعينات، قرّرت وزارة الإعلام، تحويل البيت إلى متحف. تمّ شراء الدار فعلاً، غير أن هذا المشروع لم يتم.

جاءت الحرب العراقية الإيرانية لتُسدل فصلاً جديداً من الإهمال، وانشغال الجهات الثقافية عنه، وتحوّل إلى مأوى مؤقّت لعائلات فرّت من القصف. تضررت أجزاء كبيرة من بنائه، بما فيها بابه الخشبي وشبابيكه القديمة.

غابت ملامح البيت التراثية، وصار أقرب إلى خربة، واستمر هذا الحال وخصوصاً بعد حرب 2003 وما تلاها من نهب ودمار.

مع كل هذا التحوّلات، ظلّ البيت محور اهتمام رسمي متعثّر، كلما هدأ غبار حرب أو تبدّل وزير. عام 2002، شرعت وزارة الثقافة بمحاولة لإعادة تأهيله، لكنها توقفت مع الغزو الأميركي في 2003.

ثم عادت الوعود عام 2013، حين أعلنت محافظة البصرة عن مشروع لترميم المنزل بكلفة بلغت 360 مليون دينار، وتحويله إلى متحف شخصي ومنتدى ثقافي.

المشروع كان مقرراً إنجازه في 240 يوماً، مع التزام قانوني بالحفاظ على شكل المبنى وفق قانون الآثار، لكنه لم يحقّق النتائج المطلوبة.

عام 2015، تمّ تخصيص ميزانية جديدة لإعمار الدار، واستُبدلت الأرضية الطينية بـ”سيراميك” حديث، وغابت النوافذ والأبواب الخشبية لصالح بدائل مستوردة، أفقدت المكان طابعه التاريخي.

بدا أن الترميم قد تمّ إنجازه ظاهرياً، لكنه لم يُحافظ على الذاكرة. لم يكن ترميماً، بل تحديثاً هجّن المعمار القديم وطمس روح المكان.

ثم عادت الحكومة المحلية في 2019 بمحاولة جديدة، وأوكلت الترميم لشركة محلية، تعهّدت باستخدام مواد بناء قديمة ونادرة. لكن المشروع كعادته، تعثّر في منتصف الطريق، وبقيت الشعارات من دون أثر ملموس.

عام 2023، تصدّرت صور جديدة لحالة الدار، أظهرت ما وصلت إليه سقوف بعض الغرف الداخلية من تهالك وإهمال.

أثارت الصور استياء العديد من المثقفين العراقيين، الذين وجّهوا نداءً للجهات المعنية لإنقاذها. استجابت الحكومة، وأطلقت وزارة الثقافة بتوجيه من رئيس الوزراء، مبادرة لإعادة التأهيل. لكنها سرعان ما خبت، وعاد الإهمال، وعاد الانهيار عام 2024 ليكرّس من جديد المشكلة نفسها.

يُصنّف الدار، وفقاً لقانون الآثار العراقي، ضمن المباني التراثية التي تستوجب الحماية والصيانة المستمرة، بوصفها جزءاً من الذاكرة الثقافية والوطنية.

وعلى الرغم مما عانته من إهمال وتراجع في أعمال الصيانة والتأهيل، إلا أنها احتضنت، على مرّ السنوات الماضية، عدداً من الفعاليات الثقافية المهمة، نظّمتها مؤسسات أدبية وثقافية، شملت مهرجانات شعرية وندوات فكرية مختلفة، أعادت للبيت شيئاً من روحه الأدبية ومكانته الرمزية.

غير أن هذه الفعاليات وعلى الرغم من أهميتها، لم تدم طويلاً، وظلت متقطعة وعُرضة للتوقف، في ظل غياب الدعم المؤسسي والرؤية المستدامة لصون هذا المعلم الثقافي.

وعاد بيت الشاعر بدر شاكر السياب إلى دائرة الاهتمام مجدداً، بعد الإعلان في 14 مايو 2025، عن انطلاق مشروع إعماره وتحويله إلى متحفٍ ثقافي.

يأتي هذا المشروع ثمرة تعاون مشترك بين مؤسسة “رؤى البصرة الثقافية”، ومفتشية الآثار والتراث في البصرة، ومنظمة اليونسكو، بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين، من بينهم السيدة آلاء السياب، ابنة الشاعر.

المشروع الذي دخل مراحله الأولى بالفعل، شهد الانتهاء من عملية المسح المعماري للبيت الطيني التاريخي، ويجري حالياً إعداد التصاميم النهائية التي يُنتظر أن تُستكمل بحلول نهاية يونيو.

من المقرر أن تنطلق أعمال التنفيذ مطلع سبتمبر، على أن تستمر قرابة تسعة أشهر، تحت إشراف مهندس فرنسي بارز، مع التأكيد على الحفاظ على الطابع المعماري الأصيل للدار، من حيث الروح الشرقية والمواد التقليدية المستخدمة في البناء.

شاهد أيضاً

الأكثر مبيعًا في نيويورك تايمز.. كتاب “أربعة من أيداهو”

شام تايمز – متابعة يضم قائمة الأكثر مبيعا في نيويورك تايمز، كتاب يسرد تفاصيل جرائم …