بين المارّين والأرصفة.. كتبُ دمشق مُتغيّرة!

شام تايمز – سارة المقداد

فوق أرصفة دمشق، بالتوازي مع حركة المارّين المكتظة تحت “جسر الرئيس” في العاصمة السورية حيث مركز انطلاق وسائل النقل، تفترش على “مدّ عينك والبصر” آلاف العناوين عن الحب، الحرب، السياسة، الفلسفة، الاقتصاد، المرمية على البسطات، لتشكل رافداً هاماً في مكتبات بعض الطلاب والمثقفين والصحفيين والمهتمين بالقراءة عموماً.

ولا يقتصر المشهد على عناوين سارتر، تشيخوف، بورخس، كافكا، دوستويفسكي، تولستوي على سبيل المثال، بل يصل إلى “كيف تصبحين امرأة ناجحة”، “كيف توّفر نقودك”، “تعلّم الإنكليزية بثلاثة أيام”، “كيف تكسب قلبها بثلاث خطوات”، “طريقة واحدة لخصرٍ مثالي”، يعرضها بعض البائعين لغايةٍ مالية، وآخرين لا يقبلون برؤيتها على “بسطاتهم” أو داخل مكاتبهم، باعتبارها نسف لقيمة القراءة والثقافة.

ومع تنوّع المشهد الثقافي السوري بين الكتب التي قد تكون قديمة ومستعملة، وأخرى جديدة ومصورة، ولجوء البعض إلى القراءة الإلكترونية “PDF”، تشاركَ بعض بائعي الكتب رأيهم حول أنه من الطبيعي أن يطل شاب أو فتاة برأسها وتسأل عن كتابٍ لا قيمة له لمجرد أنه حازَ على مئات التعليقات على “فيس بوك”.

ولا شك أن قراءة الكتب عموماً والورقية خصوصاً تواجه في العصر الحالي تحديات كثيرة، بعدما تم سلخ عرشها وسقطت عن الأولويات الأولى، وحلّ محلها انشغال الناس بتأمين المواد الغذائية أو الدخان حتى، و”في أيّة حال الحصول على الكتب عن طريق الإنترنت سهل جداً، فهو متاح في معظمه رقمياً على الشبكة.. ما فيني ادفع”، بحسب “يوسف – طالب هندسة”.

ويبرر “يوسف” وغيره العديد سبب تفضيلهم للكتاب الإلكتروني على الورقي، “أن الأخير وزيادة على سعره المرتفِع، يُرهق العينين، كما أن الكتب الورقية تحتل مساحة ليست بصغيرة داخل المنازل، أما في الإلكتروني فالأمر في غاية السهولة”.

ولكن هناكَ من لا قدرة له على قراءة حرف واحد دون ملامسة الورق وشمّه، فرائحته منتشرة في أرجاء التاريخ البشري على مرّ العصور، “ريحة الكتب سر صمودها بالرغم إنو صرنا بالعصر الرقمي.. يعني وين بترك أثر لكلماتي بعد ما موت؟ عَالانترنت”، هكذا تؤكد “ثريا” تمسكها بالورقيات.

وعلى ما يبدو أن صيحة الشاعر المكسيسي “أوكتافيو باث” في معرض فرانكفورت للكتاب “أنقذوا الكتب”، استمرت حتى اليوم على أيدي بعض أصحاب المكتبات والبسطات وسط العاصمة، الذين قاوموا نكبات البلاد من حربٍ وفقر وظهور أفكار مجتمعية جديدة.

ومع ذبول بعض المكتبات واندثارها أو تحوّلها إلى مطاعم ومحلات لبيع الجوالات مثالاً، وتأثر حركة النشر والقراءة في البلاد بشكلٍ كبير، ركدت حركة شراء الكتب السياسية والتاريخية وأُهملت من قبل المارّة والمشترين، فأكثر ما يتم بيعه هو روايات تدغدغ مشاعر الشبّان، بحسب “أبو أحمد – بائع كتب”.

ورغم أن بيع الكتب على الأرصفة في سورية ليس بالأمر الجديد، إلا “أن رياح الحرب عصفت به، وغيّرته من مهنةٍ لنشر الثقافة والتعلّم والنصح إلى مصدر لكنوز ثمينة، “ببيعوا أي شي بيطلع بوجهن.. بس الله الرزاق”، على حدّ تعبيره.

ويعود تاريخ أول مكتبة عمومية للناس بدمشق إلى عام 1277 والتي أنشأها الملك الظاهر بيبرس، بالقرب من الجامع الأموي، وشكلت منذ عام 1880 مركزاً هاماً للتنوير الفكري عندما أقنع والي دمشق مدحت باشا السلطان بأن يسمح للمكتبة بقبول الهدايا من الكتب من الأفراد والكنائس والجوامع.

وبعد ما يقارب الستين عاماً صدر قرار حكومي عام 1930 بإلزام كل صاحب كتاب بإيداع نسختين منه في المكتبة وبقيت المكتبة الظاهرية أهم مركز مستقطب للقراء على مستوى سورية حتى أسست مكتبة الأسد الوطنية في عام 1983، وصارت جزءاً منها.

شاهد أيضاً

كشف حالات تزوير أوراق ووثائق في جامعة حلب

شام تايمز – متابعة كشف فرع الأمن الجنائي بحلب حالات تزوير أوراق ووثائق خاصة بجامعة …