الهلال والبدر

يراهما الجميع، ولذلك كان حق التمتع بهما لحظات الحضور التسلسلي، وظهورهما بالتتابع ضمن كبد السماء المظلمة، حيث يمنح الكثير من الأفكار والأحلام، يقرؤه كل مهتم متأمل ليعرف أنه حالة منتظمة ضمن مواقيت ومواعيد، فما معنى أن يظهر الهلال بين الفينة والأخرى وكذلك أن يطلع البدر، وكلاهما يتابعهما الجميع،

كما يسأل الكل عن غيابهما أيهما الأول، وهل يظهر على منطقة جغرافية دون غيرها، أم أن الذي في أمريكا أو اليابان أو الجنوب أو الشمال يرى ذات ما نراه ويتابع ما نتابعه علماً بأنهما يندمجان معاً يتداخلان دون إحداث أي تقاطع بينهما ويكتملاً تحت مسمى القمر .

هل يختص الهلال بمنطقة ما ولنفترض أنها الشرق الأوسط، أي: من إيران إلى لبنان مروراً بمن يتبادل الحياة تحت قوسه، وهل يخصُّ البدر أيضاً مكاناً ما، مثلاً: من اسطنبول إلى مكة ليتوقف فوق دمشق ، ينير فقط من يمرُّ عليهم، أم أنه حصري بالجزيرة العربية ورؤيتها أم أن الحالتين تخصان العالم أجمع، الذي يضمن النجوم الصلبان وباقي المعتقدات وكلٌ يراه على طريقته، وأبدع منه مساراً وطريقاً خاصاً به،

وللعلم وعبر مظاهر ذلك التاريخ الموغل في القدم كانت أشكال القمر إلهاماً، اعتمدتها شعوب التاريخ القديم آلهة قدمت لها القرابين، فهل كان ذلك الصراع القديم الذي تجسّد بين أشكال القمر صورة في السماء، ليتحول إلى صراع على الأرض، ليطلق على هذا هلالاً وعلى ذاك بدراً،

وإذا كانت ولادة القمر تبدأ بتشكل الهلال أولاً ومن ثم يتابع حتى يصل إلى الاكتمال بدراً، هذا يعني أنهما وضمن مراحل الولادة الطبيعية أن المسار منطقي، ولا يمكن إلغاء أي مرحلة من مراحل النمو والتشكل، فلماذا الخوف والدورة إيجابية،

هذا يدعوني للبحث في نظريتي الإسبال والضمّ للأيدي، والتيامن أي باليد اليمنى، والنوم والدخول بالقدم اليسرى، أين نحن من كل ذلك وإشغال فكر العامة بهما، والغاية مزيدٌ من التقوقع وتطوير لغة الأنا الظاهرة على المظهر، مبتعدين عن الجوهر الحقيقي الذي قامت منه رؤية الهلال وتشكّل البدر، حيث يثار الفكر البسيط، ومن ثم ينعكس سلباً بعد أن يكون النقاش الأجوف قد تطور وتحول إلى خلاف، ليشغل الفكر الإنساني الحقيقي محولاً إياه إلى خلاف.

إذن، هي قضية القوس، أو الجزء الذي لا تكتمل بدونه الدائرة، فإذا اقتُطع منها الجزء فهناك أيضاً أجزاء متمّمة، لا تظهر الدائرة، أي بحكم الضرورة العاقلة والمنطقية والحقائق العلمية الرياضية وظواهرها الفيزيائية والكيمائية، تُجمع على أن الاكتمال لا يكون إلا نتاج تطور الكلّ، أي كامل الطلبات التي تهيئ لظهور النظرية، ومن ثم تحويلها إلى نتائج علمية، تفيد المجموع أينما وجد، عليه يكون انتقاص أيِّ طلب من طلباتها نقصاً في النظرية وفقداناً لحضورها، فلا الهلال يبقى هلالاً ولا البدر يظهر بدون الهلال .

إن الإشكاليات الواقعة مابين الهلال والبدر والاختلاف على صورة القمر التي يريد أن يرتديها كل واحد منهما لا تحمل في مجملها سوى لغة التخلّف للجمع المنتظر إلى ما ستؤول إليه الأمور بينهما، مما أدّى إلى ظهور الخلاف، وتعميقه من خلال هذه الصور التي أدت إلى حالة سلبية، قبعت في العقل الهلالي أو البدري،

على عكس الاختلاف الذي يمتلك الرحمة من مبدأ اختلاف الأمة رحمة، أما خلافها فهو انفصال وانفصام، وأنا، وأنانية تضعف الجوهر، وفي الناتج النهائي لا تصنع مظهراً ولا شكلاً.

من هذا نجد أن هناك محنة في العقل البدري والهلالي، تحتاج إلى كثير من التدقيق، أولاً، إلى أين يذهب الطرفان، هل إلى تلاقٍ أم أنهما متعاكسان إلى ما لا نهاية، أم أنهما متوازيان لا يلتقيان إلا في زاوية البصر الأمامية البعيدة على شكل سراب؟،

وإما أن يعترفا بأنهما قمر، فماذا يجدي التمترس وراء المحن العقلية المركبة والمعقدة الشائكة، أين هم من الأمة التي تحلم بأن تستمتع بكامل مراحل القمر؟، تحترم ولادته ومروره بكامل المراحل الجنينية، حتى يكتمل بدراً ونطلق عليه قمراً منيراً يسعد البشرية جمعاء .

هل هناك نظريات خاصة، أم أنها شجرة ثابتة وقوية ومتينة، أصلها ثابت وفروعها كادت أن تطال السماء، تارة بدر وتارة هلال، وفي الناتج العام الغاية الأولى والأخيرة هي اكتمال القمر وظهوره لا اختفائه، ومنه نتابع ذاك التزاحم السياسي الذي ينفخ في قربة هذا أو ذاك، في النتيجة المؤكدة أن القمر للجميع مهما حاول التابو السياسي المحيط أن يفصل بينهما.

د.نبيل طعمة

 

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …