درسٌ قاس

شاهده العالم العربي بشكل خاص، واهتمَّ كثيراً بمتابعته، ودققت به أيضاً دول العالم الثالث بشكل عام، وراقبته دول العالم الأول بحرص وحذر، كما نظر إليه عن بُعد مجلس الأمن، وأمين عام الأمم المتحدة الناطق الرسمي فقط باسم القوى الغربية (عالم الشمال)، وليس باسمها،

وجميع هؤلاء انصبَّ اهتمامهم بكل صغيرة وكبيرة فيما يحصل ضمن دولنا، والذي استمرَّ إلى ما يقرب من ثلاثين يوماً. قرأه الجميع بصرياً وسمعياً، أسهمت في إيصاله الوسائط المرئية، والصحفية، وشبكات المعلوماتية الإلكترونية (الإنترنت)، وجميعها عملت على إلهاب الشارع التونسي؛ الذي أرادت به إشعال فتيل الشارع العربي،

والغاية الحقيقية هي إبعاد الفكر العربي، أولاً وأخيراً، عمّا يجري في السودان، ولفلسطين، وللقوى الشريفة المقاومة في لبنان، وبين كلِّ ذلك ما يحاك للعراق واليمن وإيران وأفغانستان، وما يحاولونه من أجل ضرب الاستقرار الذي أُنجز في سورية بفضل حكمة قيادتها، ووعي شعبها المؤمن بعروبته ونصرته الدائمة لها.

لماذا تونس التي كانت مقدرة جداً من قبل الغرب، بفضل نظامها الذي استقبله ساركوزي، وقبله شيراك وأوباما وسبقهما لذلك بوش وبلير، من خلال ما كان يحققه لمصالحها في المنطقة المغاربية، حيث تم اختيارها لِلَعب هذا الدور، وهي التي كانت مضرب المثل الواجب أن يحتذى به لدى الأمة العربية، ومفضلة بشكل خاص لدى فرنسا وأمريكا، والأسباب كثيرة: فهي مركز مهمٌّ للفرانكفونية، وأيضاً لمراكز التجسس الأمريكي، فالبرامج الثقافية والاجتماعية والسياسية تُصنع ضمن مراكز أمريكية خاصة في تونس.

لماذا مرة ثانية، رفضت هذه القوى الغربية مؤازرة النظام التونسي، ووقفت موقف الشرفاء مع شعب تونس، وابتعدت عن حسابات خسارة النظام وإذلاله؛ من أجل أن تربح العلاقة مع الشعب التونسي، أي: الحفاظ على امتلاكها لجغرافيته والسيطرة عليه، بعد أن انتزعتها من النظام السابق، وفي ذات الوقت تعمل من خلاله على تجييش الشارع العربي ضد أنظمته القطرية: الإيجابي منها لدى شعبه، وإخافة وإرهاب السلبي، فتريه صور النهاية إن حاول التلاعب معها، وماذا سيحدث له، حيث ستتخلى عنه، ليَهيم في الجو يستجدي من يستقبله.

سؤال أتجه به إلى منظومة الفكر العربي، هل تتنبّه إلى أجوبته.. حين المحاولة للإجابة عنه: ألا وهو متى سيستطيع هذا الفكر فرْز الصالح من الطالح؟ وأقصد هنا الوطني المؤمن بأرضه وشعبه وعروبة أمته، ومكوناتها المنتجة، والمؤتلفة العاملة من خلال الحبِّ، تقاوم به أعداء الأمة وتنتصر دائماً وأبداً لمواطنيها، وبين تلك الأنظمة الجوفاء المستسلمة واللاهثة وراء حماية الغرب، والتي سيلفظها لحظة انتهاء امتصاص مقدّراتها، أو حاجته لأن تكون مثلاً للضعفاء والمستسلمين له ولمؤيّديها،

وضمن الأجوبة جوابٌ مهمّ يدعو النظام العربي بمجمله للانتباه لشعبه، طالما أننا ننبّه الشعب العربي بضرورة الانتباه لما يحاك ضدّه، والغاية إبقاؤه تحت مسمّى التخلّف والضحك عليه بأنه ينمو .

الشعب العربي شعب طيّب، كريم، صبور، لاهف، متفاعل، وملتحم مع نظامه في السرّاء والضرّاء، حيث يعتبره صورته، ويريد ضمن طموحه أن يكون صورة نظامه، ويحلم بأن يكون نظامه وقياداته على صورته، بكونه خرج منها، وبحكم المعادلة المنطقية أن يعود عليه بالنفع والانتفاع، تحت مسمّى علاقة المدير والمنتج، وكلاهما مسؤولان عن ناتج هذه العلاقة، وطبيعي أن يكون من أهمِّ بنودها المردود الأخلاقي والمادي الرابح، ينتفع به الجميع، فتظهر منها صور الثقافة الاجتماعية، والقوة الاقتصادية والفعل السياسي الناجح؛ الذي يأخذ بصورة المجتمع إلى مستوى الحضور الإيجابي.

درس قاسٍ، يتحمّله الشعب العربي المؤمن بالنجاح، ويتعلّم منه الجميع على الرغم من قسوته، طُبّق في تونس الخضراء، وأعتقد أن غباء قيادتها أوصلها إلى ما آلت إليه، والشعب التونسي العربي الأصيل له الحق فيما فعل وانفعل، أمام جزء من قوى نظامه السلبي، فانتصرت له باقي القوى المؤمنة بتونس العروبة، وتاريخ قرطاج حاضرة المتوسط .

نحن في سورية العروبة نعتقد وعلى الرغم من قساوة الدرس التونسي الذي أخاف كثيراً الأنظمة السلبية؛ ليس في عالمنا العربي بل في عالم الجنوب بأجمعه، ولفت نظر الأنظمة الإيجابية إلى ضرورة تعزيز الإيجابية ومتابعة تفاصيل السلبيات أينما وُجدت، وإيجاد الحلول الناجعة لتحويلها إلى إيجابية.

نحن الشعب العربي السوري بمكوناته هرم متكامل من قمته إلى قاعدته مع الشعب العربي بشكل عام والتونسي الشقيق على وجه الدقة، بكونه أنجز حالة فريدة عملت بقوة وبصمت ضدَّ الأنظمة السالبة التي تخادع شعوبها.

د.نبيل طعمة

 

شاهد أيضاً

الأسرة والعائلة

قادمة من الأسر بمعناه الجميل، فأسره الشيء أي: جذبه إليه، لينحصر معه، ويتخصّص به وله، …