المعلمات القومية

غالباً ما يواجه دارسو جدوى المشروعات الاستثمارية مشكلة امتداد الإيرادات والتكاليف عبر الزمن ووجوب أخذ ذلك بالاعتبار لإيجاد القيمة الحالية للقيمة المضافة الكلية، ولحل هذه المشكلة عادةً يتم استخدام معدل الخصم الاجتماعي الذي يعتبر أحد مقاييس ما يُطلق عليه (المعلمات القومية) وهو مصطلح علمي يمكن تعريفه بأنه يعتبر (مقاييس تحدد خارج نطاق المشروع الاستثماري وهي معطاة من مؤسسة وطنية أو هيئة قومية ويجب أن تعكس التخصيص الأفضل للموارد من وجهة نظر المجتمع.
ومن أهم (المعلمات القومية) المستخدمة في إطار دراسات الجدوى هو (معدل الخصم الاجتماعي) (والسعر المعدل للصرف الأجنبي) حيث يعبر معدل الخصم الاجتماعي عن التقدير الكمي الذي يعطيه المجتمع للمنافع والتكاليف المستقبلية أو هو المعدل الذي به تتناقص على مرِّ الزمن القيمة التي يعطيها المجتمع للمنافع والتكاليف المستقبلية للمشروع الاستثماري، ومن المفترض أن يكون موحداً في البلد الواحد ويكمن البعد الاقتصادي له في المساعدة على تخصيص الاعتمادات الاستثمارية العامة نحو أفضل استخداماتها الاجتماعية، فإذا ما تحدد معدلاً منخفضاً جداً للخصم الاجتماعي فإن الطلب على الاعتمادات الاستثمارية الحكومية سيفوق العرض المتاح منها مما يسبب هدراً للموارد والعكس صحيح.
أما خطوات حسابه فهي عديدة ويمكن اختصارها بما يلي:
1. اعتماد سعر فائدة القروض طويلة الأجل كأساس لتقدير معدل الخصم الاجتماعي.
2. تعديل هذا السعر ليتناسب مع الظروف الاقتصادية والسياسية للدولة ويختلف حسب كون الدولة مقرضة أو مقترضة لرأس المال:
– فإذا كانت الدولة مقرضة لرأس المال فيجب مراعاة أن الاستثمار المحلي في تنفيذ المشروعات المحلية تتعدد مزاياه عن الاستثمار الخارجي وذلك من وجهة نظر التنمية طويلة الأجل ولذلك ينبغي إعطاء علاوة للمشروعات المحلية عن طريق تخفيض معدل خصم منافعها وتكاليفها المستقبلية، ويعتمد تقدير هذه العلاوة على الخبرة الاقتصادية القومية والدولية مع الأخذ بالاعتبار العوامل التالية:
o معدل النمو المتوقع للاقتصاد الوطني.
o معدل التضخم في السوق الدولية.
o ثبات الأوضاع في السوق الدولية لرأس المال.
o استقرار السياسة الدولية.
o الفوائد المتوقعة للمشروعات المحلية في الأجل الطويل.
o المعدل المتوقع للتضخم المحلي.
– أما إذا كانت الدولة مقترضة لرأس المال فإن معدل الخصم الاجتماعي يجب أن لا يقل عن سعر الفائدة الفعلي في السوق الرأسمالي الذي يقترض منه رأس المال وهو يختلف عادةً عن معدل الفائدة في المصارف في حال وجود معدلات تضخم مرتفعة.
3. يجب تطبيق معدل واحد للخصم الاجتماعي على المستوى الوطني ثم تتم مراجعته بشكل دوري، وتعديله كلما تطلب ذلك ليتماشى مع الظروف الاقتصادية المحلية أو الدولية ومعدلات النمو وأسعار الفائدة ومعدلات التضخم.
أما المصطلح الثاني من (المعلمات القومية) فهو السعر المعدل للصرف الأجنبي حيث يعتمد هذا السعر كمقياس مناسب للقيمة الحقيقية للعملات الأجنبية داخل الدولة فإذا كان السعر الرسمي واضح الاختلال ولا يعكس القيمة الحقيقية لسعر الصرف مع الإشارة إلى أن هذا السعر يرتبط بالموقف القائم والمتوقع لميزان المدفوعات، فإذا كان هناك عجزُ في هذا الميزان فإن الأمر يتطلب تقدير السعر المعدل للصرف الأجنبي ووضعه موضع التطبيق، أما إذا لم يكن يعاني من عجز فإن السعر الرسمي يعبر تقريباً عن قيمته الاجتماعية الفعلية، ومن الضروري قيام هيئة وطنية مختصة بحساب هذا السعر وإبلاغه للمسؤولين عن تقييم المشاريع وهناك عدة طرق لاحتسابه منها.
نسبة العجز في ميزان المدفوعات: ينبغي حساب السعر المعدل للصرف الأجنبي باستخدام البيانات الخاصة بفترة تبلغ (5) سنوات مع حساب متوسط قيمة المدفوعات والمتحصلات خلال الفترة ذاتها، وهذه البيانات يمكن الحصول عليها عادةً من خطة التنمية الخمسية للدولة، ويفضل إعادة حساب هذا السعر سنوياً عن طريق إسقاط السنة الأولى وإدراج السنة السادسة من الحسابات للوصول الى تقديرات المتوسط المتحرك وهكذا ويمكن حسابه بصورة تقريبية بالمعادلة التالية:
السعر المعدل للصرف الأجنبي = السعر الرسمي للصرف الأجنبي ×
قيمة المدفوعات المنظورة وغير المنظورة مقومة بالعملات المحلية
قيمة المتحصلات المنظورة واللامنظورة مقومة بالعملات المحلية
منذ توقع زيادة العجز في ميزان المدفوعات فإن ذلك يعني ازدياد الطلب على العملات الأجنبية وهو ما لا يبدو ظاهراً من السعر الرسمي ومن ثم يتعين تعديل هذا السعر بإضافة بعض التعديلات إليه.
سعر الصرف السياحي: وهو يعتبر قيمة تقريبية مقبولة فيما بين السعر الرسمي وسعر السوق غير النظامية (أو السوداء)، حيث يجب أن يرتكز السعر الحقيقي على التكاليف المحلية لوحدة الصرف الأجنبي وهي قيمة السلع المحلية التي تقوم مقابل وحدة من العملات الأجنبية، ونظراً لصعوبة تحديد ذلك بصورة عملية فإنه يتم اللجوء إلى سعر الصرف السياحي الذي تتولى أحدى الأجهزة الوطنية المختصة اعتماده بهدف اجتذاب العملات الأجنبية بسبب عدم الاعتماد على سعر السوق السوداء لكونه يتحدد على أساس سلع كمالية جذابة وهامشية من حيث حاجة الفرد إليها وليس على أساس السلع الأساسية الرئيسية فيؤدي ذلك إلى مغالاة السعر في تقدير قيمة العملة الأجنبية.
في ختام هذا الحديث الذي يبدو فنياً وعلمياً بعض الشيء وبخاصة لغير المختصين فإنه ما يهمنا في سورية وفي ظروف ما بعد الأزمة وما صاحب ذلك من ارتفاع لأسعار الصرف عن السعر الرسمي وتدني أسعار الفائدة في المصارف عن سعر الفائدة الفعلي في السوق الرأسمالي الذي يقترض منه رأس المال بصورة حرّة فإن اعتماد (المعلمات القومية) يصبح أمراً على غاية من الأهمية لتحقيق التخصيص الأمثل لرأس المال أولاً ولتوجيه الاستثمارات نحو القنوات الأكثر جدوى على المستوى الوطني لأن في ذلك تحقيق أهداف التنمية ومشاريع إعادة الاعمار وفق أولويات الرؤية المستقبلية للاقتصاد السوري لما بعد الأزمة.
دمشق في 22/7/2020.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية
فيسبوك

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …