التجارة الخارجية في الخدمات

عندما استطاعت إيطاليا تخفيض نسبة الزراعة إلى الناتج المحلي من 13% إلى 3% عام 2000 على حساب رفع حصة قطاع الخدمات الذي أصبح يشكل ما يقارب 65,4% فإن ذلك اعتبر قفزة تنموية كبيرة باتجاه تحسين أداء الاقتصاد الإيطالي وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الإيطالية التي أصبحت تشكل 34% من الناتج المحلي الإيطالي ورفع الناتج القومي الذي أصبح يشكل 13% من الناتج الأوروبي، فالإنتاج الزراعي الإيطالي لم ينخفض بل ازداد كقيمة مطلقة وازدادت الإنتاجية الزراعية وهي اليوم تحقق ميزاناً زراعياً رابحاً.

ولعل المقارنة الأكثر غرابة أنه في بلد عربي كبير هو السودان يحتل قطاعه الزراعي حوالي 48% من ناتجه المحلي ورغم ذلك فهو يعاني من أزمات غذاء وصعوبات في تصدير فوائضه وفي عرضها في السوق العالمية بأسعار منافسة وطرق توضيب متطورة.

فما هي التجارة الخارجية في الخدمات التي أصبحت تشكل اليوم 30% من التجارة العالمية؟ ولماذا هي متطور في الدول المتقدمة؟ وما هي تجارة الخدمات الدولية؟ وما هي الاتفاقيات الدولية في هذا المجال؟ وأخيراً كيف السبيل لتطوير قطاع الخدمات وجعله أكثر كفاءة؟.

تعريف وتصنيف الخدمات: (Services) يمكن تعريف الخدمة بأنها (فعل ينشأ عن نشاط إنتاجي يؤدي إلى تغيير حالة المستفيد أو وضعه).

مع الإشارة إلى ان شركات الخدمات نفسها تستهلك حوالي 50% من إجمالي الخدمات المنتجة. وأن القيمة المضافة لأي سلعة منتجة أصبحت تحتوي على نسبة عالية من الخدمات قد تصل إلى 50% في صناعة أجهزة الاتصالات مثلاً.

ويتم عادة تصنيف الخدمات إلى الأنواع التالية:

  • الخدمات الإنتاجية: Productive Services وهي الخدمات المرتبطة مباشرة بالإنتاج ومنها (الخدمات التجارية والتمويل والتأمين والمصارف والاستيراد والتصدير).
  • الخدمات التوزيعية: Distributive Services وهي الخدمات المتصلة بعمليات توزيع الإنتاج مثل النقل والشحن والتأمين والاتصالات وتجارة الجملة والتجزئة… هذا بالإضافة إلى (الخدمات الاجتماعية- خدمات البناء والإنشاءات- الخدمات الشخصية- الخدمات العامة …) ويدخل في إطار هذه الخدمات (السياحة- الصحة- التعليم).

التجارة الدولية في الخدمات: غالباً ما يتم إطلاق عبارة التجارة الخارجية بمعناها الضيق على الصادرات والواردات المنظورة وغير المنظورة (أي السلعية والخدمية).

في حين أن التجارة الخارجية بمعناها الواسع وفق التطورات العالمية في هذا المجال فإنها أصبحت تشمل كلاً من:

  • الصادرات والواردات المنظورة (السلعية).
  • الصادرات والواردات غير المنظورة (الخدمية).
  • الهجرة الدولية (انتقال الأفراد).
  • الحركات الدولية لرؤوس الأموال بين دول العالم المختلفة والبنود الأربعة الأخيرة تم الاستصلاح على تسميتها التجارة الدولية International Trade.

أما التجارة الدولية في الخدمات والتي سجلت معدلات نمو أكبر من معدلات نمو التجارة الدولية السلعية فقد أصبحت تشمل الصور التالية:

  • خدمات النقل الدولي (الجوي والبري والبحري).
  • خدمات التأمين الدولي.
  • خدمات السفر وحركة السياحة العالمية.
  • الخدمات المصرفية العالمية.
  • حقوق نقل الملكية الفكرية ونقل التكنولوجيا.

لقد ازدادت مساهمة تجارة الخدمات في الاقتصاد العالمي من 27% في نهاية الستينات إلى 32% عام 1986 وهي تشكل اليوم ما يقارب 20% من التجارة العالمية على حساب تراجع مساهمة السلع في الحسابات الجارية العالمية.

وتختلف دول العالم بدرجة توزع قطاع الخدمات لديها فهو في المملكة المتحدة يتركز على الخدمات التمويلية (مصاريف- تأمين- خدمات استشارية وتعاون تكنولوجي) وفي فرنسا تتركز صادرات الخدمات لديها في (التعاون التكنولوجي وهندسة البناء والخدمات الاستشارية في مجال الإدارة) أما إيطاليا فيظهر التركيز على قطاع الخدمات السياحية.

أما على صعيد الدول النامية فيلاحظ اتجاهاً سلبياً في مساهمة تجارة الخدمات في قطاعاتها الخارجية على حساب مساهمة تجارة السلع.

منظمة التجارة العالمية وتجارة الخدمات: احتل موضوع تحرير التجارة الدولية في الخدمات حيزاً كبيراً من جولات المفاوضات التجارية الدولية التي سبق أن جرت ضمن إطار منظمة / الغات/ حيث لعب تفوق الدول المتقدمة في هذا الميدان دوراً هاماً في تعزيز إدماجها في اتفاقيات الغات لتحقيق أكبر قدر من الفوائد والفرص الجديدة.

وتغطي حالياً الاتفاقية الدولية لتجارة الخدمات (الغاتس) ضمن منظمة التجارة العالمية (WTO) مجالات واسعة من النشاطات الاقتصادية تشمل (المصارف والتأمين والاتصالات والاستجمام والخدمات الرياضية والثقافية).

وأهم ما يميز هذه الخدمات فهو كونها غير ملموسة وغير مرئية مقارنة مع السلع الأخرى، حيث يؤثر هذا الاختلاف في الميزات على الطرق التي يتم بموجبها التعامل التجاري الدولي.

إن نجاح الأعمال الزراعية والصناعية والإنتاجية أصبح اليوم يعتمد على تطوير قطاع الخدمات فتصريف المنتجات محلياً وخارجياً يعتمد على وجود قطاع خدمات متطور وهذا ما تحتاجه سورية اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى للانطلاق نحو عالم رحب من التنافسية.

 

كتبه: د. عامر خربوطلي

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …