دراسة الجدوى الفنية … الأهمية والقواعد

مع توسع نشاطات الاستثمار واحتدام المنافسة وضيق الأسواق تتزايد أهمية دراسات الجدوى الاقتصادية لتقرير ريعية المشروع وعائديته المحتملة قبل البدء بإنشائه مما يعزز فرص النجاح والاستمرار على المدى البعيد. وتلعب الدراسة الفنية دوراً مهما ينطلق من نتائج الدراسة التسويقية لتستند إليها في ضمان تشغيل المشروع بطاقته الكاملة والتنسيق بين مختلف عملياته الإنتاجية وتقدير تكاليف هذه العمليات.

وفي سورية نظراً لأهمية قيام مشاريع ناجحة وقادرة على المنافسة ومرتبطة بالتوجهات الحكومية في توطين المشاريع فإن الاهتمام بالجانب الفني المتعلق بموقع المشروع وآلاته وتجهيزاته وطرق الإنتاج الأفضل والتقانات المطلوب استخدامها يلعب دوراً حيوياً في تحقيق ريعية أكبر لهذه المشاريع وبالتالي إلى نجاحها.

ويقصد بالدراسة الفنية كل ما هو مرتبط بإنشاء المشروع وتشييد أقسامه وتركيب آلاته أو تحديد احتياجاته من مستلزمات الإنتاج وتقدير التكاليف الاستثمارية وتكاليف التشغيل السنوية وتتبع أهميتها من خلال بعض الخواص التي تتمتع بها وهي:

  1. الارتباط الوثيق بين أي قرار فني أو تكنولوجي وبين كلفة المشروع وكلفة السلع والمنتجات.
  2. كثرة البدائل والتي تتعلق بالمستلزمات المادية والآلات والمعدات والتكنولوجيا وموقع المشروع.

بالإضافة إلى ذلك فإن الأهمية تبرز من خلال النتائج المترتبة على فشل المشروعات حيث تتمثل أهم الآثار الناجمة عن عدم إجراء الدراسة الفنية اللازمة أو جود أخطاء كبيرة فيها بما يلي:

  • عدم تشغيل المشروع بالطاقة الإنتاجية الكاملة أو حتى المتاحة منها مما يحرمه من موارد صافية كان بالإمكان تحقيقها فيما لو تم إجراء مثل تلك الدراسات.
  • عدم الانسجام والتناسق في العمل بين وحدات المشروع المختلفة مما يؤدي إلى حدوث توقفات أو اختناقات أثناء التشغيل.
  • صعوبة تحديد معدلات ومعايير الإنتاج والاستهلاك من مواد ووسائل العمل بصورة صحيحة.
  • اختلال في وظائف التموين والإمداد والاحتياجات المادية من حيث المواعيد الزمنية والشروط المناسبة.

وبشكل عام تسعى الدراسة الفنية إلى الإجابة عن التساؤلات التالية:

  1. ما هو حجم الإنتاج المناسب والطاقة القصوى للمشروع؟
  2. ما هي أفضل طريقة للإنتاج ؟ وما هو التكنولوجي الملائم لطبيعة المشروع والسوق الذي يخدمه؟
  3. ما هي أنسب توليفة من عوامل الإنتاج المستخدمة ومدى توافرها؟
  4. ما هو أفضل موقع لإنشاء المشروع؟

وعند البدء بالدراسة الفنية ينبغي على القائم بالدراسة توفير المعلومات الرئيسية التالية:

  1. معلومات عن السوق والطلب والمنتجات: من قبيل مواصفات المنتج من الناحية التسويقية وأماكن تركز المستهلكين ومواقع الأسواق المرتقبة ورقم المبيعات المقدرة ودرجة الاختراق المتوقعة للسوق.
  2. معلومات عن طريق الإنتاج البديلة والتكنولوجيا الملائمة مثل:
  • البدائل المختلفة لإنتاج منتجات المشروع.
  • طريق الحصول على التقنيات الملائمة.
  • طبيعة التقنية المطلوبة (كلفية العمالة أو كلفية رأس المال).
  • مصادر التوريد المناسبة وتكلفة الحصول على التكنولوجيا.
  1. معلومات عن طريق الإنتاج المختلفة من قبيل مدى توافر المواد الأولية المستخدمة ومدى الحاجة إلى المواد نصف المصنعة والمصنعة ومدة توفرها ومصادر الحصول عليها. ومدى توفر المرافق والخدمات الصناعية، بالإضافة إلى الآلات والمعدات ومصادر الحصول عليها.
  2. معلومات أخرى من قبيل توفر رأس المال والعمالة الفنية والمواقع المتاحة وبالإضافة إلى أهمية توفير هذه المعلومات للبدء بالدراسة الفنية فهي ضرورية في مراحل المفاضلة بين البدائل المتاحة عند دراسة الجدوى الفنية وفي إعداد التقديرات الخاصة بتكلفة الحصول على هذه العناصر.

من الضروري الإشارة إلى أن درجة التعمق في الدراسة الفنية إنما تتحدد بمدى حجم المشروع ودرجة التكنولوجيا المستخدمة وعدد البدائل الفنية، إلا أنه وبشكل عام يمكن تلخيص الخطوات بالتالي:

  • تحديد حجم الإنتاج وحجم المشروع:

بناءً على تقديرات الطلب التي سبق الحصول عليها من الدراسة التسويقية. ويعتبر تحديد الطاقة الإنتاجية الملائمة من الأمور الدقيقة في دراسة الجدوى فبينما نجد أن التنبؤ بالطلب ودرجة اختراق السوق يمثلان الخطوة الأولى في تحديد حجم الإنتاج نجد ان تقييم البدائل المختلفة للإنتاج والطاقة المتوقعة يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالمدفوعات الاستثمارية والمستويات المختلفة المتوقعة من المبيعات والربحية.

ولهذا يجب أن تبدأ المشروعات في السنوات الأولى للتشغيل بأقل من الطاقة الإنتاجية للمشروع حتى تستطيع أن تتماشى مع النمو المتدرج من الطلب على منتجاتها.

وعند تحديد الطاقة الإنتاجية للمشروع من الضروري التركيز على الاعتبارات التالية:

  1. الطاقة الاستيعابية للسوق.
  2. اقتصاديات الحجم، حيث يعتبر الوصول إلى حجم إنتاج مناسب يتحقق عنده الوفورات الإنتاجية والتكلفة الأقل من العوامل الأساسية في تحديد حجم الإنتاج.
  3. المتطلبات الخاصة بالتكنولوجيا المستخدمة والتغيرات المتوقعة فيها. فكلما زادت احتمالات التغيير التكنولوجي في صناعة معينة كلما كان من الأفضل إقامة طاقة إنتاجية محددة.
  4. توافر المواد الأولية والمدخلات المختلفة.
  5. توافر الموارد المالية والإدارية لتلبية الطلب المتوقع في السوق بكفاءة أكبر بحيث تعطي ميزة تنافسية في الجودة والأسعار.
  6. إمكانيات السوق: فالطاقة الإنتاجية لا ينبغي أن يتم تخطيطها بناء على المبيعات المتوقعة خلال السنوات الأولى للتشغيل فقط وإنما يجب الأخذ في الاعتبار امكانية جذب مستهلكين آخرين وإمكانية التصدير إلى الخارج، ويمكن الاستئناس بالمعادلة التالية:
  • حجم الإنتاج = حجم الطلب- (الإنتاج المناح حالياً + إنتاج المشروعات تحت التنفيذ).

ويمكن الإشارة أيضاً انه إذا كانت الطاقة الإنتاجية العادية الممكنة للمشروع أقل من الحجم الاقتصادي الأدنى ينبغي أن توضح الدراسة ما يستتبع ذلك من حيث تكاليف الإنتاج وأسعار المنتجات وجوانب معينة من السياسة العامة مثل درجة الحماية المطلوبة لبناء المشروع كما أنه يتعين أن تكون الطاقة الإنتاجية على صلة بوفورات الحجم حيث أن تكاليف الإنتاج تنخفض مع ارتفاع مستويات الإنتاج وزيادة حجمه.

هناك العديد من العوامل الواجب أخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ قرار الاختيار التكنولوجي منها:

  1. مدى توافر المواد الأولية المستخدمة.
  2. طبيعة التقنية المطلوبة.
  3. المزيج السلعي والجودة المتوقعة.
  4. نوع الصناعة والاستخدام الناجح للتكنولوجيا فهناك العديد من الصناعات التي تكون فيها البدائل التكنولوجية معروفة ومحددة وتتعرض للقليل من التغيرات التكنولوجية، وبالتالي فإن قرار الاختيار يكون سهلاً فيما يختلف الوضع في الصناعات الإلكترونية مثلاً التي تتوافر فيها أساليب تكنولوجية متعددة.
  5. توافر الخبرات والمهارات المطلوبة لإدارة التكنولوجيا.

 

 

 

  • توافر الاحتياجات من الطاقة والمرافق الأساسية بالقدر المطلوب:

ويمكن الإشارة هنا إلى أهمية الآثار البيئية عند اختيار التكنولوجيا، حيث تزداد التوجهات العالمية نحو التخفيف من استخدام التكنولوجيا الخطرة وفرض تدابير محددة للتحقق منها بالإضافة إلى استخدام بدائل تقنية مختلفة، مثل استعمال مواد أولية قليلة المخالفة ، أو إعادة استخدام المواد الأولية في عمليات إنتاجية ثانوية.

كما تطرح مشكلة اختيار التكنولوجيا جدلية الاختيار بين أسلوب تكثيف رأس المال وبين أسلوب تكثيف العمل حسب توافر كل منهما في الدولة ورغم وجود العديد من الآراء حول مدى ملائمة هذه الأساليب بالنسبة للدول النامية التي غالباً ما تواجه زيادة في عدد السكان مع ندرة في رأس المال إلا أنه يمكن الإشارة إلى بعض الآراء الحديثة التي تؤكد على أهمية إدخال الأساليب كثيفة رأس المال حتى في الدول التي تعاني من البطالة. باعتبارها ستؤدي إلى زيادة إنتاجية العمل مما يخلق فائضاً يمكن استخدامه في مشروعات إنمائية جديدة.

أما فيما يتعلق بوسائل الحصول على التكنولوجيا الحديثة فهناك مجموعة من الطرق أهمها:

  1. الحصول على ترخيص باستخدام التكنولوجيا.
  2. شراء التكنولوجيا.
  3. اشتراك الموردين مع المشروع في ملكية التكنولوجيا.

كما انه من الضروري عندما تكون التكنولوجيا المنشودة محمية ببراءة اختراع أو بعلامات تجارية مسجلة الحصول على الحقوق الصناعية من أصحابها وينبغي أن تبرز الدراسة الشروط والأحكام التعاقدية الخاصة باقتناء التكنولوجيا ونقلها.

ج- تحديد المواد الأولية ومدخلات الإنتاج:

  1. بالنسبة للمواد الأولية ومدخلات الإنتاج المختلفة: من الضروري التفرقة بين المواد الأولية والنصف مصنعة وبين المواد التي لا تدخل مباشرة في إنتاج السلعة، ولكنها لازمة للتصنيع (مثل الوقود والشحوم والزيوت …) ومن الضروري تحديد هذه المواد وطريقة الحصول عليها ومدى استمرارها في مد المشروع باحتياجاته وإمكانية إحلال مواد أخرى بديلة في حال تعرضها للنقص.
  2. بالنسبة لاختيار العدد والآلات: فإنه يرتبط باختيار الأسلوب التكنولوجي الملائم من خلال تتبع التسلسل الخاص بعمليات الإنتاج والتي تظهره خريطة العمليات مع الأخذ بالاعتبار اقتصاديات التشغيل والآلات المقترحة والطاقة الإنتاجية المتوقعة، وهناك العديد من الطرق الرياضية المستخدمة، ومن ابسطها تلك التي تعتمد على تحديد حجم الإنتاج والوقت النمطي لإنتاج المنتج.
  3. تحديد قطع الغيار التي تحتاجها، ومصادر الحصول عليها، والكميات الواجب الاحتفاظ بها كمخزون.

تكلفة الحصول على الآلات: حيث تتطلب الدراسة إعداد تقديرات خاصة بتكلفة البدائل المختلفة من الآلات المطلوبة واستخدامها في إجراء المقارنة بين هذه البدائل.

بالنسبة للمنافع والخدمات الصناعية اللازمة للإنتاج، وهي تشكل نقطة أساسية في إعداد الدراسة الفنية حيث يؤدي إهمالها إلى التقدير الخاطئ للتكاليف الاستثمارية وتكاليف التشغيل، فعلى سبيل المثال يجب أن تتضمن الدراسة الفنية تحليلاً لوضع الطاقة المتاحة داخل البلد متضمناً المصادر ومدى توافرها وأسعارها ومقارنتها باحتياجات المشروع، ومن خلال المقارنة يتم تحديد ما إذا كان المشروع سيعتمد على المصادر الخارجية كلياً أو سيقوم بإنشاء وحدة خاصة به.

بالنسبة للعمالة المطلوبة: يعتمد تحديدها على نوعية الآلات ودرجة الأتمتة، ولابد من تحديد مستويات المهارة المطلوبة، كما يجب الربط بين الاستخدام الأمثل لكل من الآلة والعامل، حيث يمكن الاستعانة بدراسات الوقت والحركة وطرق توازن الآلات وخطوط الإنتاج والتخطيط الداخلي للمصنع لإيجاد هذا التوازن بين الآلات والعمال.

د- إعداد التصميم الداخلي للمصنع:

ويقصد بالتصميم أو الترتيب الداخلي تحديد النطاق الكلي للمشروع ونظام العمل داخل الأقسام واختيار مراكز الإنتاج ومواقع محطات التشغيل وأماكن التخزين وغيرها من الترتيبات، وهناك العديد من الخرائط والرسومات الأساسية عند إعداد الترتيب الداخلي للمصنع.

هـ- تحديد الموقع المناسب:

يعتبر اختيار الموقع المناسب للمشروع من أهم مقومات نجاحه، ورغم وجود العديد من النظريات والأسس في توطين المشروعات إلا أن هناك مجموعة من العوامل التي تدخل في هذا المجال منها:

  1. تكاليف نقل المواد الخام اللازمة للمشروع.
  2. تكاليف نقل السلع التامة الصنع إلى الأسواق الرئيسية لاستهلاكها.
  3. أجور العمال وما فيها من تفاوت بين جهة وأخرى.
  4. مدى القرب من سوق الاستهلاك.
  5. تكاليف نقل الطاقة.
  6. توفر المياه وسهولة الصرف.

 

 

  • إعداد تقديرات التكلفة للعناصر المكونة للجوانب الفنية للمشروع:

وهي المرحلة الأخيرة في الدراسة الفنية وهي تعتبر من المداخلات الأساسية في دراسة الجدوى المالية. وتقدير التكاليف يجب أن يسير في اتجاه الإجابة على السؤالين التاليين:

  1. ما هي التكلفة التي تتطلبها إقامة وتنفيذ المشروع حتى يبدأ بالإنتاج والتشغيل ويجيب على هذا السؤال تقدير الإنفاق الاستثماري.
  2. ما هي تكلفة إنتاج ذلك الحجم المتوقع تصرفيه كمبيعات؟ وهذا ما يجيب عليه تقدير الإنفاق التشغيلي للمشروع.

ويتم التفريق بين هذه النوعين من التكاليف من خلال الفترة الزمنية التي تحقق خلالها استرداد الأموال المنفقة والعائد المتوقع منها فالاستيراد الذي يأمله المشروع من الإنفاق التشغيلي ينبغي أن يتحقق خلال فترة زمنية لا تتجاوز العام أما الاسترداد الذي يتوقعه من الإنفاق الاستثماري فيأتي خلال فترة زمنية أطول.

 

كتبه: د. عامر خربوطلي

 

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …