مالئة الدنيا وشاغلة الناس، يهتم بها الكبير والصغير الذكر والأنثى، تخص البسطاء من الشعوب يديرها الأغنياء بالحنكة السياسية والحبكة الدرامية، قسمت الأمم والدول ضمن قاراتهم، وأنجبت التقاتل بسببها، لا مجال معها ضمن دائرة المنافسات عليها من وجود فائز وخاسر، دخلت دائرة المراهنات وأجرت الدموع بأنواعها:المفرحة والمحزنة على الوجوه والشفاه،
طبعاً كرة سياسية واقتصادية واجتماعية، احتلت المرتبة الأولى بين الألعاب الجماعية، أُسست لها الاتحادات الأممية والقارية وضمن الحدود السياسية للدول، يعتقد الكثرة من البشر سكان الأرض أنها حديثة العهد، لا تبتعد كثيراً في القِدم؛ وإنما ينسبونها إلى قرنين خلوا من الزمن، وفي حقيقة الأمر إنها موغلة في القدم،
وأعتقد أن ذلك الإنسان القديم هو من أسس لها بعد ظهوره إلى الحياة، وفهمه لأسباب تكوينها وتأمله في الشمس والقمر ككواكب، وباقي المجموعة الشمسية بدت له ككرات احتاج صورتها، فحولها حسب حجومها وأبعادها إلى كرة : قدم، ويد، وسلة، وتنس، وأيضاً حدد أبعادها وأوزانها منذ ذلك الزمن القديم، وخطط لها الملاعب ضمن المساحات المادية.
قد يخالفني البعض؛ ولكن الإيغال في ذلك القدم يرينا حقيقة الأمر، ومع ظهور الشرق من الصين،- والشرق هو العلم- ظهرت كل تلك الألعاب،
وسار الشرق إلى الهند التي عرفتها، وبعدها فارس، وبلاد ما بين النهرين، والفينيقيين والإغريق والفراعنة، حتى وصلت شرق الغرب الأوروبي، أي أنهم امتلكوا علومها في لندن وأعادوا نشرها في ربوع الكرة الأرضية من جديد، وهي القديمة كما نتحدث عنها، لغة صراع الوجود، نتأمل أبعادها فنجد أنها صراع أوطان وقيادات وحكم وحكّام، فلها الحدود والخطط الحربية في الحراسة والدفاع والهجوم، مَن يقتحم مَن؟
حتى أن الكرات الزجاجية التي كنا نحفر لها الحفر كي نصطاد بها كرات الآخر كانت تعني لنا ظهور الأقوى، والنشوة بين عالم الشمال والجنوب، واليسار واليمين، والشرق والغرب، والعلم والجهل. إنها إبداع ذلك الإنسان القديم الذي يثيرنا مع بزوغ فجر كل يوم جديد .
مرة ثانية أعتقد أن الدورات الحياتية القديمة عرفتها، وانتقلت إلينا من سجلاتهم ومدوناتهم ورسومهم ونقوشهم أي: من آثارهم، حيث مارسها الصينيون قبل ما يزيد عن 2500 سنة قبل الميلاد، وكذلك كل من ذكرناهم، وغابت لفترة من الزمن حتى ظهرت في لندن عام 1016م حينما احتفل الإنكليز بترحيل الفايكنغ القادمين من الدنمارك حيث قطعوا رؤوسهم المشابهة للكرة، ولعبوا بها ككرة بأقدامهم،
كما أن العرب عرفوها وتحدثوا عنها شعراً قبل ظهور الإسلام، ونظموا عنها القصائد الطوال، والتي تبادلوها في سوق عكاظ، مما يدل على أنهم أيضاً مارسوها. لونها أبيض، أو أصفر، أو أحمر، أو أسود، أو يتألف من هذه الألوان، وهي إن دلت فإنما تدل على لون الشمس، والقمر، والشهب، والليل، والنهار، وهذا دليل آخر على أنها كانت نتاج تأمل ذلك الإنسان القديم.
بالتأكيد أحبتها الشعوب والأمم، ولذلك نهبت من عقولهم الكثير؛ على اختلاف ألوانهم ومعتقداتهم وعقائدهم وألوانهم قارات ودول، تتشابه كثيراً مع الكرة الأرضية؛ التي يحلم الجميع باللعب بها وامتلاكها والسيطرة على شعوبها، لذلك كانت حقيقة للكبار وحلماً للصغار،
مشهد اخترق عقول كافة فئات الجنس البشري الذكر والأنثى، المنتصرون يُصفّق لهم، والمنهزمون يعزونها لتدخل الأقدار، فيما هي توحد الجميع وتجعل منهم مؤمنين لحظة اللعب بها، فتظهر صلواتهم وتضرعاتهم إلى الإله الربِّ من أجل أن ينصرهم، وبعد الانتهاء من اللعب بها يكفر الخاسرون بها ويلعنونها، وينسى الفائزون أنها مجرد كرة جلدية تتلاعب بها الإقدام.
من كلَّ ذلك، وبعد أن اخترعها الشرق الروحي، نجد أن عالم الشمال الغربي يستثمر جهد ذلك الاختراع، ويسيطر بها على عقول عالم الجنوب الأصفر، والأحمر، والأسود ذي الطاقات الهائلة، والغاية السيطرة على المادة، وإلهاء الشعوب البسيطة وخداعهم، بكونها ملهاةً، ففيها تكمن أحلام البسطاء الساعين من أجل الحصول على الكأس الذهبية،
والحذاء الذهبي، المنهوبة في الأساس من عالم الجنوب بدراية منه أو بدونها، حيث المطلوب أن تفكر بأقدامها لا بعقولها، ولتبقى تتفكر فيما يجري على الأرض، أي: إلى الأسفل تنظر إلى تلك الكرة الجلدية المسماة كرة القدم .
د.نبيل طعمة