الإعلام العربي

يعزِّز وجود وظهور وتحوّل (إسرائيل) يومياً إلى حقيقة، من خلال خطابه الآني الذي يُظهر مدى اعترافه بالكيان الصهيوني، وترديده كلمة (إسرائيل)، فلا أستثني حتى نفسي من هذا الاتهام، بل أؤكد أن الجميع والمجموع؛ وعبر كل الفضاءات المسموحة (تلفزة – إذاعات – صحف – مجلات – إنترنت- حوارات ضمن الأماكن العامة والخاصة على اختلاف المستويات)، وتحت قبة الجامعة العربية وقممها، والبرلمانات العربية، وعلى منابر المساجد، وخلف مذابح الكنائس؛ نستمع إلى ذاك الإصرار الذي يتجلّى في الخطاب العربي، ونشره عبر وسائل الإعلام التي سبق ذكرها، ومؤكداً على أن هناك دولة واقعة هي (إسرائيل)،

وعلى الرغم من امتلاك البعض القليل لمفهوم الكيان الصهيوني الغاصب؛ نرى أن جميعنا على  امتداد وتنوّع الطيف من الشبان، والشابات، والشيوخ، والأطفال، والعارفين، والجاهلين ينطقون باسم (إسرائيل)، ماذا يعني لنا هذا نحن العرب ؟، وما معنى أن يُضخَّ إلى أسماعنا صباح مساء، وعلى مدار الساعة، وعبر كلِّ الوسائل المتاحة اسم هذا الكيان الصهيوني الغاصب والمغتصب ؟، فنحن لم نعد نتحدث عن اغتصابه للأرض والإنسان، أو عن مجازره المتعددة، ولا عن تفرُّده عالمياً بالتعنت والعنجهية والعنصرية، ولا عن أرض فلسطين المطلقة،

بل بتنا نتحدث عن حدود 67 وما بعدها، نتحاور حولها، وحول الخلافات ما بين الأرض والأراضي ضمن مساحات في الضفة الغربية وقطاع غزة والحدود الجديدة، بتنا نستخدم لغة الحقوق في المياه بدلاً من حقنا فيها، وضرورة إيجاد نُظُمِ تقاسمها، وغدونا وكأننا نحن العرب نستجدي الحق، والندرة تنادي بحقنا والحقوق، كما أننا نتحدث عن أجزاء من القدس الشريف، ونطالب العالم بخجل من أجل منع هدم الأقصى، مستعينين بالرجاء والاستعطاف ..

إلى أين نسير ؟ يسأل الشعب العربي، وطبعاً ليس كامل الشعب العربي، هل غدا هذا الكيان الغاصب العنصري الصهيوني اليهودي حقيقة واقعة؟ وعلينا أن نعترف به بعد كل هذا التمهيد الزمني الذي اشتغل عليه، أي: على عقول العرب ؟ وهل يحتاج العقل العربي هذا الزمن لكي يلغي العداوة، والعداوة موجودة في العقل الإنساني العالمي. مرة ثانية ماذا يريد هذا الإعلام منّا؟ هي لحظة مصارحة نكون وكيف نكون، وما هي أشكال الفكر القادم؟ الأجوبة تأتي من إعلامنا العربي.

أيضاً، وبما أننا مقسَّمون ومجزّؤون ومنقسمون ومنقلبون بين وعلى بعضنا، ومختلفون في الاعتراف أو عدمه بهذا الكيان، وبما أنه صديق لدى بضع العرب، والبضع الآخر محايد، والندرة من العرب يعتبرونه عدواً حقيقياً؛ فنرى من هذه المعادلة أن الكثرة تعترف بوجود(دولة الكيان) وتتعامل معها بحميمية، حيث تلجأ إليها لحظة الخلاص، وتعتمد عليها أكثر من الشقيق الحقيقي والصديق النادر،

ومن خلال الإمعان في تحليل وجود هذا الكيان، وتحويله إلى واقع يسكن في الفكر العربي، إذ يتحمل الإعلام العربي مسؤولية تأكيده، من خلال المناخات والمساحات الفكرية التي صنعها له، فإنني أرى أن هناك حاجة إلى قيام المثقفين والإعلاميين والمسؤولين عن الارتقاء بالأمة العربية ومطالبتهم بضرورة المصارحة، والمواجهة، ودقة اختيار العناوين والمسميات، وإظهار الرابط بين المصطلحات، وبيان وشرح حقيقة (إسرائيل) ضمن الخطاب العربي،

وحتى تظهر ضمن ذلك العنوان الذي تنضوي تحته مسميات الكيان الصهيوني: الكيان الغاصب، والكيان العنصري، وهل هو عدوّ حقيقي للعرب، أم أنه دولة يعترف بها العرب كلَّ يوم في الإعلام على المنابر الدولية، ولا يعترفون بها للإنسان، وهل هي قابلة للاعتراف على أسس و شروط السلام عاجلاً كان أم آجلاً؟.

كم مرة نستمع إلى كلمة (إسرائيل) في اليوم الواحد ؟ شاهد الأخبار المنتشرة في التلفزة واستمع إلى نشرات الإذاعات العربية، وافتح المجلات العربية واقرأ “مانشيتات” الصحف العربية، وادخل إلى الصحافة العربية الإلكترونية، واحسب، وناقش، كيف أن هذا الكيان بمسمّاه (إسرائيل) استهلك حيزاً كبيراً من إمكانات الفكر العربي على اختلاف قدراته ومستوياته ومواقعه، حتى غدا الأمر طبيعياً،

وأعتقد أن الغاية استسهال وجوده، على الرغم من تمتُّعه بالعدوانية المفرطة، وتخصصه بالعنصرية؛ التي لم يبقَ منها على وجه البسيطة إلاّ كيانه واغتصابه للأراضي، فهو مغتصب وغاصب، لا ينبغي أن نقول عنه محتل، وعدم اعترافه بالعرب إطلاقاً لا بمن يصادقه ولا بمن يعاديه، أين نحن من كل ذلك ؟.

سؤال أخير: هذا الكيان الصهيوني  اليهودي الغاصب (إسرائيل) كيف يتحدث عنّا في إعلامه على اختلاف أنواعه، وكيف نتحدث عنه، وهل نحن العرب حقيقة في دائرة اهتمامه، أم أنه يسير ضمن نهجٍ مخططٍ ومرسومٍ دون النظر لما يجري حوله؟؟ أسئلة برسم الإعلام العربي  والقائمين عليه.

بقلم د. نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …