هلّلويا

كلمة عالمية، ينشد بها جميع سكان الأرض على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم وديانتهم Alleluia، تجمعهم ضمن تجمعاتهم الخاصة أو العامة على مسارحها أينما وجدت مساحات لممارسة طقوسهم، أساسها الهلال، يظهر بها التهليل لحظة حضور الميلاد، أي قدوم الاستثناء إلى الحياة، ومنها كان أيضاً “هلّ هلالك شهر مبارك”،

وأقصد به أشهر الصوم لدى الجميع ، وبالعودة إلى تاريخها نجدها ضمن عبادات الآلهة القديمة، ومنها عبادة القمر الذي حمل اسم الإله (لونا) تارة، والإلهة نانا تارة أخرى عند السومريين والأكاديين، حيث كانوا ينتظرون لحظات ظهور الهلال بالتهليل وهم ينشدون هللويا هللويا، ومنها كان أيضاً للاستقبال والأفراح أي الترحيب بكل قادم جديد أو غائب، وحضر بالأهلا والسهلا،

 

وكذلك لغة البداوة التي مازال بعضها سائداً حتى الآن، هلا ومرحبا، وهلَّ السحاب بالمطر وهلَّ المطرُ هلاً أي هطل بقوة .

 

إن جوهر التهليل روحي يمتلئ بالمحبة، حيث يُستدلّ منها إلى إنشاء آليات التواصل مع الحاضر الغائب، والظاهر الخفي، فهي كلمة إيمانية طيبة تنشد تعظيم وتكبير المواقيت والمناسبات السامية كعيد ميلاد السيد المسيح، ومولد الرسول العربي عليه السلام، وأعياد الفصح والميلاد، ورأس كلٍّ من السنوات الميلادية والهجرية والصينية والفارسية واليهودية، والحج إلى القدس وإلى مكة المكرمة، والشعائر التي تستخدم خلالها من تهليل وتكبير وتعظيم لقدر تلك المناسبات،

 

إذاً هللويا: هلّلوا لله ترانيم تسبيحية -كما تحدثت- يترنّم بها الإنسان عند حلول الأعياد والمواسم والأهلة، فهي ترمز للتسبيح والتقريب والتطهّر والاستقبال، فحينما هاجر الرسول العربي من مكة إلى المدينة استُقبل بطلع البدر علينا أي: هلَّ هلالك (هللو… ليا هللويا) ليتجسد بها الطهر الذي يلقيه الإله في أجساد المؤمنين، يحملونه في جوهرهم يظهرون مطهّرين في شكل السيد المسيح والرسل والأنبياء والأولياء والصالحين، يمحون به الخطيئة وينشدون المحبة والسلام .

 

هللويا ليست كلمة عبرية، كما هي ليست يهودية، ولا علاقة لها بالإله ( يهوه) إله اليهود، وإنما هي عبارة تسبيح لله عبر التاريخ الموغل في القدم، أي هلّلَ لهُ وكلّ حسب نظام رؤيته واعتقاده به، وبما أن ذلك الذي ذكرته عن عبادة القمر ومراحل ظهوره هلالاً، وأنه أساس التهليل، أقول ليعلم القاصي والداني أنها موجودة في جميع اللغات البشرية والإنسانية- الإنكليزية والإيطالية والألمانية والهندوسية والبوذية والفارسية والروسية والانكا والمايا ( الهنود الحمر ) ، وفي العربية-،

 

ومهما اختلفت أحرف اللغات فاللفظ واحد فهي تهليل، ولذلك تحدثت في المقدمة، كما أقول إنها كلمة يتفق عليها الجميع مثل “آمين”، وتعني في لغات العالم أجمع استجب أيها الإله، حتى أنها حينما تُذكر أو يُتحدّث بها يجب على جنس الإنسان أن يختم “بآمين” وهي الكلمة العالمية التي نراها في كافة اللغات أيضاً،

 

مما يدلنا على أن الإنسانية لغة الإنسان لا لغة البشر ، فإذاً امتلكها إنطلق بإنسانيته الإيمانية التي يقرؤها البشر، فيستعيدونها به ومنها يعلم ويشير بعلمه إلى إنسانية الإنسان؛ الذي لا يتجلى إلا بعد حمله للغة الحب والتسامح وقبول الآخر، فهي كلمة التسبيح التي مهما تلوثت واستُعملت ينطق بها اللسان الإنساني كلحن موسيقي يترنم به العقل من أجل إسعاد وصفاء القلب، أو الوصول إلى الرقة والدقة الإيمانية .

 

هللويا عيد مجيد، ورأس سنة ميلادية جديدة، وللهجرية أيضاً التي مرت آمنة، نطلبها لكل الأعياد والاحتفالات المقدسة والعالم أجمع بكونها لغة عالمية نحتاجها جميعنا، أي جنسنا الإنساني، بأن تُدخل الفرح والسرور إلى ذاتنا المؤمنة، وأُسرنا المتكونة، ومجتمعاتنا المحببة لقلوبنا التي تحتاج الفرح، بعيداً عن لغة الإساءة والضغينة، فله لوليا تنشد سعادة الإنسان؛ التي تُفرح الإله المتابع لخلقه ومخلوقه ومشيئته أن يكون مخلوقه سعيداً.

 

Alleluia هللويا هللويا إليك أيها الإنسان، إلى إنسانيتك في عيدك المجيد، أينما كنت وفي أيِّ شكل ظهرت، ومع أيِّ عيد فرحت، وأي معتقد اعتنقت، أدعوك للسلام بكون عنواننا لغة محبة وسلام، كلمة كونية تجمعنا لا تفرقنا، تسعدنا وتُفرح الجوهر الذي ظهر بها، ككلمة تحمل آلامنا إلى ذلك القمر؛ الذي يمتصّها في نهاره من أجل أن يمنحنا نور الظلمة على دروب المساء أو الليل الطويل، صديقي الإنسان، ميلاد مجيد وعام جديد مليء بالسعادة والفرح .

 

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …