العصمة

تفرض ذاتها ووجودها كضمانة أمان لطرفي الحياة، بالتأكيد قواعدها واضحة ضمن المجتمعات الروحية، فالمسيحية اعتبرت أن الرجل رأس المرأة، أي حسم الأمر، ولا وجود للعصمة،

وفي الإسلام الرجال قوامون على النساء،

بينما لم أجد لها تعريفاً ضمن المجتمعات المدنية، على الرغم من حملها لصفة الذكورة؛ التي أخضعتها للانضواء تحت أجنحة الرجل من خلال تعلّقها بالصفات الفيزيولوجية القوية للرجل والبيولوجية الحيوية للمرأة،
حيث جرى العرف أن تكون بيد الرجل من بابه إلى محرابه، وهي ليست قاعدة، وهي تفويض بالتراضي بين الزوجين، يمكن أن تمتلكه الأنثى كأن يهبها حقَّ تطليق نفسها لا متى رغبت؛ إنما لحظة شعورها بالقهر الإنساني لذلك نجد أنها تحولت إلى عادة ضمن السياق التاريخي بين المجتمعات الذكورية؛ التي أعطت الأمر لمن يُنفق ويُشرف ويترأس.

ويقوم: من القوامة والاعتلاء حين حدوث التداخل، وسواده على الأمور العامة والخاصة ضمن كلِّ المحاور، أي: أن من يقمْ على الشيء يمتلك القرار شريطة أن لا يخطئ، أو لا يرتكب المخالفات، وأن يؤدي الأمانة التي سكنت غاية العصمة، فمن يمتلكها يمتلك الأمانة، والأمانة تبدأ من منحها للأنثى،

حيث ترتكز على مبادئ الفعل والإنجاز والإنجاب والإبداع والتألق، إلى أن يكون الالتئام أو الفراق بطلقة أو بعدد منها، وبما أن حديثنا الذي نجري معاً ضمن مساراته ومساربه،
وقصدنا العلاقة الزوجية التي يتملكها الأنس وعلاقته بالأنيس الأنثى والاستئناس، نتّجه من خلاله إلى فهم تعريف العصمة، ومن أحقّ بها، بعد تعريفها ومناقشة مدلولها والأدلة الدافعة إليها، وإثبات قوة تأثيرها في حالات الهدوء والانفعال،

وبما أن العصَم غايته الحفظَ وأن يقي ويتقي ويمنعَ ويحمي ويلاطف، بكونها أو بكونه مكلّفاً، والتكليف هنا وصاية وقدرة على السيطرة العقلية لحظة وقوع الخلاف والاختلاف، ومنع وقوعه أو الوصول إليه، أو إيجاد الحلول للخروج منه، وفي ذات الوقت هي قادمة من الاعتصام، وهو فعل المعتصم عن الخطيئة، لنتخيل أن العصمة بيد المرأة ما الذي كان سيجري، وهل كانت هناك مجتمعات ناجحة؟ أدع للمرأة أن تجيب عليه .

ما معنى الصامت أو الصامتة، الهادئ والهادئة، والمتأمّل والمتأمّلة، والمتفكر والمتفكرة، والصابر والصابرة، ما معنى ضبط النفس لحظة حدوث الانفعال بين الطرفين؟ وبشكل خاص من الرجل بكون الأنثى تصمت أمامه كثيراً، لكنها حينما تنفعل لا يتوقف انفعالها، فإذا لم تهدأ أو يمتصّ الرجل غضبها وانفعالها النهائي حدثت الطامة الكبرى.

وهذا يدلنا على أن حكمة الرجل أكبر، وغالبية الرجال يهابون انفعال النساء. ذات مرة اختلفت مع أنثاي وتطوّر الخلاف ووصل الانفعال إلى درجة الهيجان- بغضِّ النظر عن الأسباب التي اعتبرتني فيها مخطئاً ولم أستطع الشرح أو التبرير- فما كان مني إلا أن طالبتها بأن نذهب إلى القضاء، وفي قمة ثورانها قالت: هل تريد أن تطلّق؟ فأجبت بلا، قالت: ولمَ الذهاب إذاً ؟ أجبتها بأنني أريد أن أمنحها العصمة، فهدأت فجأة، وقالت: لا أريدها، فأنا قليلة الصبر وقد أطلّقك عند أول مشكلة.

إذاً، أين تكمن علاقة العصمة بالتكوين الذي يحتاج الهدوء والصمت والكتم، فالزهراء في مكة، والحمراء في قرطبة، والعقبة والعهد على المبايعة، والغاية الوصول للمعاصرة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،

أي معاني العصمة الذي يرخي ظلاله على مثلثها الحياتي وأحقية التكليف هل تكون للرجال أم للنساء؟ أليسا نصفين لا يكتمل الواحد إلا بالآخر، وماذا يعني الفرق بين الطرفين أو شطري الحياة الإنسانية الفكرية والعقلية، وما معنى الشورى والفتوى والاستقرار والتوطين الأول والنهائي،

وما معنى التداخل بين الأعضاء التناسلية والجمع والضمّ من خلال تساوي الرجل والمرأة بكونهما شطري الحياة، وحقّ الشورى مستقرّ بينهما كي يظهر التكوين، لقد ساوى الكتاب الكريم (القرآن) الذي يعتبر منهاج الإسلام بين الرجل والمرأة،

حيث وردت الآية الكريمة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) إلى آخر الآية في سورة التوبة.

ومنها قلت: إنها عُرفٌ ذكوري وليست قاعدة، وأيضاً هي لقب فخامة وعزة أن تقول: “يا صاحب العصمة”، ومنها كان المعصومون عن الخطيئة وهم الرسل والأنبياء والأولياء .

إن جمهرة العلماء والمفكرين والمثقفين يحملون عبء مقاتلة القهر الإنساني، وفضح أسبابه أينما أصاب الذكر أو الأنثى وأقصد التصدّي لكلِّ ما يعيق حرية الإنسان بجزأيه الذكر والأنثى، والقهر ينضوي تحت معنى الإذلال والإهانة،

لذلك أجد أن قهر المرأة بتهديدها بالطلاق يؤدي إلى شعورها بالإهانة والإذلال، وهذا ما يؤدي إلى تصدع البناء الأساسي للأسرة المكوّن الرئيس للمجتمع، ومنه أدعو إلى مساواة المرأة بالرجل التي لم ينصفها التاريخ الموغل في القدم إلاّ فيما ندر، حيث أرخى عليها سمة الخطيئة التي لم يصِمْ بها الرجل،

ولذلك نجد أن العالم الجديد ونظم العولمة المادية قد دعت لتكريمها، وتحصينها ضدّ القهر ومساواتها، كي تنزع عنها صفة العهر. العصمة أعتبرها قيمة التحضّر بين طرفي الحياة، وفعل حياة من أجل استمرار التكوين وأمنه الاجتماعي .

د.نبيل طعمة

 

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …