يُصلح العطار

ما أفسده الزمن، بعكس المثل القائل: لا، التي تحمل سمة النفي المطلق، وتشير إليه، بكونه ليس شبه مستحيل؛ بل المستحيل بذات عينه، ومنه أنطلق: بأن ما أشبعه الزمن من ذلٍّ وخراب وقهر تحت رؤية غير الممكن، والتي تنهي الممكن في الإرادة،

نتطلّع إلى المستقبل، ونحن الموجودون في الواقع؛ الذي نتجول فيه صباحَ مساء، ونتعايش معه لحظة بلحظة، ننقد بعضنا وما نراه غيرَ مناسب لنا، دون الإشارة إلى مواطن الخطأ والخطيئة والفجوات .

ماذا يُصلح العطار؟ وهل بمقدوره فعل ذلك أم أن لغة لا، يستخدمها المستفيدون والمتمتِّعون بمزايا وجود الخلل، وحالات التعفّن والوهن؟ من هو العطار ما هو شكله، ولونه، وموقعه السياسي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الروحي، وما هي قيمة مداركه وقوة إدراكه لظروف حدوث الخلل المزمن، فيما مضى أو اللحظي المعاش، أو الذي يستشرفه مما سيأتي في قادمات الأيام، فهل يستطيع أن يُصلح إن لم يعلم مكانه وقيمته والحاجة إليه، وضرورة استمراره، وتكاليف إصلاحه، وهل تتوافق مع الزمن الحاضر وتصمد للمستقبل، أم أنها أكبر وأكثر بكثير مما ستنفقه عليه ؟.

هل هو رمز أم خيال؟ أم يرفع شعار إبقاء كلِّ ما هو عليه أن يبقى كما هو عليه،  ولذلك يرفض الإصلاح، فأصل المثل “لا يُصلح العطار ما أفسده الزمن” والزمن جزءٌ من ثلاثية الزمان: الماضي الحاضر المستقبل، فأين تمّ الإفساد، والذي يقول الدهر يُخطئ، بكون الدهر، هو الجملة الكونية الكلّية لمجموع الموجود، واتحاده مع الواجد، الذي يَشْتَمُّهُ أي يتنفّسه، فإذا انقطع انقطعت الأسباب الموجدة له.

إلى أين نريد أن نصل، ونحن نتحاور حول إصلاح العطار، ومن هو العطار، هل عنى به كلّ صانع، وكلّ لاعب، وكلّ صاعد، وكلّ نازل؟ أم عنى أولئك الهاربين من الحياة غير القادرين على التمسّك بحبال التسلق، والتقدم والتطور والمحاولة، وإن الإنسان ابن المحاولة، وإن الإصلاح هو من صلب التفكير الإنساني، حتى وإن انكسر، ولنفترض الزجاج، فإنه يمتلك قدرات إعادة تشكيله والبناء من جديد، أي: بناء سياسي، اقتصادي، اجتماعي، ديني من الممكن جداً أن يعيده إلى الحاضر، مقدماً إياه للمستقبل.

العطار كيميائي وفيزيائي، يحمل شكل المكوّنات الفكرية الإبداعية، ذات الروائح التي تضمُّ الحالات الاجتماعية والهرم الطبقي، الذي يرتبط إلى بعضه ضمن معادلات تُنجب روائح عطره، تلغي بها الشقاق والخلاف، وتعمل على جذب الأطراف المتنازعة إلى بعضها، وحين تمرّ من الجوانب تشتمّها فتتذوق طعم اللقاء، وهذا لا ينجح إلا من فهم النسب والتناسب للعلاقات المادية واللامادية،

أي: أن يمتلك العطار التخصّص الذي لا يصل إليه إلا بعد أن يتمتّع بسمات المعايرة والدقة (دقة الميزان)، المُشاهَد من العين الحاكمة على كفّتيه، والكيفية التي يزن بها، وطريقة توجّهه لفهم معادلة توحُّد الجوهر مع المظهر، من خلال معايرته المركبة للمواد التي بين يديه، أو يبحث عنها، وبما أن ميزانه العطري دقيق.

أي: إن أيّ خلل في النسب الكيميائية والمواد المقدمة له ذات الشكل الفيزيائي يلغي المعادلة، ويعرف من خلالها أن تركيبه خاطئ من خلال الروائح الناتجة، فإن كانت سلبية تدخّلت الحواس ورفضتها، وبالتالي تكون النتيجة: أن العطار إذا أراد الإصلاح يُصلح، وإن أراد الفساد يَفسد ويُفسد الناتج، عليه يكون المثل – الذي اشتغلنا عليه من لحظة ما أفسده الزمن إلى لحظة إصلاحه – متعلقاً بشخصية وفكر وروح العطار .

وفي النتيجة، كلُّ إنسانٍ عطارٌ إذا أراد أن يكون كذلك، فكلُّ من يستطيع، وتقبّل ويتقبّل أن يصلح نفسه وذاته، فهو عطار يتحول إلى مالك لمفاهيم، يمتلك مفاهيم المعادلات الكيميائية والفيزيائية، ومفردات اللغة بمحاورها المتعددة أياً كان شكلها في جوهرها أو مظهرها أو لونها.

ونصل من كلِّ ذلك إلى نتائج يساوي، أي إلى النتيجة التي تدلنا وتأخذ بيدنا إلى علم حقيقة فهم العطار، فهو رمز إصلاحي، وقائد لمحور مهمّ، تنضوي تحت لوائه  كافة المحاور، بكونه عرّابَ الروائح الطيبة والدخان الأبيض، الذي يشير من القمم إلى الحالات الإيجابية والتوافق، وبشكل أدقّ وأغنى يمنح الحبَّ، والحبُّ شيء عظيم، إن تمتّعنا به نجحنا، وغدونا عطارين، لحظة تركيبنا للوصفة أو الخلطة العطرية السحرية، ونجحنا معها، فكان منها وفيها الدّاء والدواء.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …