الشّيء

بالشيء يُذكر، من مبتدئه إلى خبره، نتطلّع إليه أولاً، نتأمّله تكويناً، قد نشهد نهاية وجوده، أو يشهد على نهايتنا، كيف يظهر، ومن أين أتى؟، أي: أين أوله أو آخره، كيف يبدو لنا، ولحظة ظهوره ماذا يعني لنا، وحينما نتابع ونتعايش البُدّ الذي لا بُدّ منه، أي وجود مشيئة خصوصيتك التي تخصّك، أو تخصّ مكوّناً ما،

حيث أرادت وجوده قبل أو بعد وجودك؛ التي دعتك لأن تتعمق فيها، ومنها بدا لك شيئاً موجوداً، فكان وجوده دعوة للكل كي تتفكر في غنى وجودك، فهل العقل أولاً أم الشيء؟ وبما أن التجربة لا نطلق عليها اسمها إلا إذا توفرت مكوناتها،

ونحن حقيقة قائمة بحدِّ ذاتها لا يمكن لنا أن نكون متشابهين معها، أو مكوناً من مكوناتها لأننا نكوّنها، وإلا كيف يمكن لنا أن نعطيها لقب التجربة، منها نسير منجزين سؤالاً مهماً: هل الشيء موجود في العقل أم قبله أم بعده؟

وبدقة: هل كان قبل المكونات التي تحمل أسماء أشيائها، أم أن الأشياء اقتضت البحث والتقصي عنها من أجل إطلاق الأسماء عليها، وذلك من أجل اعتبارها شيئاً مادياً مرئياً، أو لا مادياً تفكرياً، أو خيالاً تخيلياً؟

وحينما نرى الأشياء يقتضي الحال منّا إطلاق الأسماء عليها، بكونها أشياءً مرئيةً مشاهدةً، نبحث فيها بغاية الوصول إلى ماهيّتها المنطقية، مستندين إلى أن الذي ليس كمثله شيء أسكن العقل الإنساني أسماء الأشياء كلّها، بما فيها أسماؤه باعتباره إنساناً عقلياً ميّزه عن باقي الموجودات النورانية والشيطانية والدنيوية،

وعليه يكون حدوث التقبّل للسواد الأعظم من الإنسان العاقل الذي اشتغل فكرياً لتحويلها إلى أشياء قد اعتبرها من الثوابت، فغدت عامة، ومن ثم أخذت في النمو رويداً رويداً، تسكن الفكر الإنساني المتجول ضمن العقل وأدواته (الحواس) التي يستثمرها من أجل متابعة إطلاق الأسماء على الأشياء، وإبداع أشياء حاجاته العامة التي يشترك فيها جميع الإنسان، ومن ثم يتجاوزها بعد الاعتياد عليها، بعد التفكّر بها، أو ينهي تفكيره أثناء وصوله إلى التفكر المادي أو البصري أو المعنوي، بكونها تحولت إلى حقيقة عامة،

ومثالنا الشجرة، أو الطير، أو السمكة، أو الأرض التي نمشي عليها، أو السماء التي تشكلت تحتها النجوم، وقسْ على ذلك كامل الأشياء التي تحولت بفعل الواجد إلى موجود.

السؤال الكبير، والذي يطرح نفسه بقوة على العقل الإنساني: هل كان العقل فارغاً ومن ثمّ امتلأ بالأشياء، أم أن الأشياء هي التي أوجدت العقل؟؟ هذا يقودنا إلى فهم معنى الكلمة أولاً أم الشيء، وما معنى الكلمة أولاً، والشيء ثانياً، والشيء أولاً، والكلمة ثانياً، معادلة أنجبت حقيقة وجود الموجود، وواجد الوجود .

أدعُ لكم ضمن لغة الاستفسار: أي تحريك الساكن لحظة رمي الحصاة في الماء الراكد، والغاية إنشاء الدوائر التي تتطور كونياً لتعني لنا لغة التطوير: البصيرة “وجمعها البصائر”.

هل الكلمة شيء؟ أقول: نعم، والشيء كلمة مهما كبر وعظم أو تضاءل وصغر، من الذرة إلى الإله، والذرة خلية حيّة، والمجرة تحت الكلّي المحيط ،أي أنها دون الكلّي لتبدو شيئاً عظيماً؛ لكنه في جوهره كلمة، والكلمة تدل على الشيء، فأيُّ شيء أنا، وأنت، وهي، ونحن، وهم، وأولئك، لغة عالمية تضمُّ الكون إليها، حيث يضمّها الكون إليه تحت مسمّى الشيء، والشيء يحتاج الكلمة، فلا شيء بلا كلمة، لا مادة بلا إنسان ناطق، فإذا لم ينطق لا يشار إلى الشيء، ومهما أشرت إليه بالإشارة فلن تصل إليه، هنا تكتمل لدينا جدلية الكلمة أولاً أم الشيء، حيث ندعى للإجابة: العقل أولاً أم الشيء أم الكلمة؟.

إذاً، نحن نبحث في أصل الشيء، وعن مبتدئه، فأيهما أولاً البيضة أم الدجاجة، ومن أطلق على البيضة بيضة وعلى الدجاجة دجاجة، وفي مجمله نبحث في علاقة اللغة الإنسانية، وكيف تعلّم الإنسان القديم لفظ أسماء الأشياء كلها، وكيف أطلقها على كافة الأشياء، كيف عرف أنه جنس إنسان، وأن الباقي المختلف عنه أجناس حيوان وجماد ونبات؟، ومرة ثانية هو الشيء نبحث فيه، ونؤكد عليه من باب أن السمك سمكٌ، والشجرة شجرةٌ، والطير طيرٌ.

هل هناك من شيء يذكر دون أن يكون شيئاً لا يشبه أيَّ شيء، وليس كمثله شيء، يتداوله جنس الإنسان أينما حلَّ وكيفما ارتحل، ومهما غاب عنه لا بد أن يذكره ويتذاكره بين عقله وقلبه، ولو في العمر مرة، بأيِّ شيء تستشهد، تؤكد أو تنكر؟ وهل يمكن أن يكون هناك شيء بلا كلمة نطلقها عليه، أي اسم .

إن جلَّ دعوتي ودخولي على الشيء، ما هي إلاّ من باب المضاف إليه، فالإنسان القديم أوجد أشياء تحولت إلى ثوابت، سكنت العقل الإنساني، ومع تقدم مسيرته الإنسانية لم يتوقف عن اكتشاف واختراع وإبداع أشياء يطلق عليها أسماء، منها ما هو من إبداعه، ومنها ما هو من اكتشافاته، وكلُّ ذلك نتاج اتساع العقل الذي يعمل مع اتساع الكون، وكلّما اتسع العقل اكتشف أشياء جديدة يطلق أسماء جديدة، ويدعونا كي نزيد إيماننا بأن الإنسان قادر على إنجاب شيء جديد؛ بل مجموعة أشياء .

د.نبيل طعمة

 

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …