الحبُّ والكراهية

أنهجُ أسلوب “الخطف خلفاً”، مبتعداً عن أسلوب السرد القصصي، مبتدءاً بمهجه، حيث أتداول معكم  أن من يحبّ لا يعرف الكراهية أبداً، وإن من يكره حتى ولو لبس ألف ثوب للحبّ لا يمكنه أن يحبّ؛ بل يتجمّل به، ويخادع قليلاً وإن طال يسقط سريعاً أو رويداً رويداً، بكونه شبَّ على الكراهية، ولم يعرف تفاصيل ومفاصل لغة الحبّ الحقيقية.

عنوان يشبه كثيراً: السلام والحرب، الخير والشر، أي الضدّين، ليس من يسالم كمن يحارب، فالأول لايسعى للحروب إلا حين التعدّي على حقوقه، أو استلاب أشياء غالية جداً لا يمكن التفريط بها، أما من يتمتّع جوهره بالحرب لا يمكنه أن يسالم، لأنه تكوّن من جينات عدائية متسلطة حاقدة حاسدة، هذه اللغة الجوهرية تستند إلى بيان مفاهيم الفرق بين الإنسان والبشر .

هل الحبّ يُصنّع، أو يباع ويشترى، أم أنه ذاك المتجول أبداً وطائف في الدنيا بحثاً عن فرصة يدغدغ فيها الاحساس ينهب الأذن ويسحر العين والغاية امتلاك الروح والوجدان وتقبل النداء من الآخر وهل الكراهية كذلك؟

بالتأكيد هي حالة طبيعية موجدة في العقل الإنساني تتخصص في عدم قبول الإحساس بالحب وتتولد من خلال تكبر الآخرين لمن يرونهم دونهم في النسبة والتناسب مادة أو فكر أو نتاج تطور الأنا وأيضاً نتاج الوقوع في الحسد وهذا أشد أنواع الكراهية وحينما ننشئ جدلية بينهما، يبدو من الضروري أن نتفهم ماهية حاسة الحبّ، وآثارها ومنعكساتها ضمن الداخل الإنساني أولاً، وعلى المجتمع ثانياً،

وكذلك حاسة الكراهية، منشؤها أسبابها وتطورها، فالحبّ حاسة فطرية لها علاقة بإشارات تتبادلها القلوب. أعتقد أنه لا يحتاج إلى تعريف، فهو جوهر الخير، أي أنك إذا أردت أن تصنع فعلاً خيِّراً تندفع إليه بالفطرة القلبية والعقلية، أما نقيضه وهي الكراهية كحاسّة تمنعك من التقدم تجاه الآخر من خلال الشعور بالاشمئزاز، والتفكير المضاعف الذي يدعوك للتخطيط السلبي تجاه الآخر،

ما يؤدي بك أن تعدّ ألف مرة قبل أن تقابله، أو تضع يدك بيده، حسب الظرف الجامع لكليكما، تماشياً مع القول: “مكره أخاك لا بطل”. لذلك جسّد هذا العنوان قوة التأثير في الأفعال الاجتماعية الإنسانية، منطلقاً من حياة الفرد، ومنتهياً بالشكل الاجتماعي.

الحبّ خشية يسكنها الإخلاص لا تعرف الخوف أبداً بكونها لغة أداء وتعبير الروح ، بكونه نتاج طلب الاتحاد بالآخر، أي علاقة التوحد التي تترفّع عن الشخصانية الفردية، لتدخل في الثنائية المنجبة، وتؤمن بأن الأنا مرفوضة، لأنها قليلة جداً وضئيلة ومسطحة، ولا ترتقي إلى مستوى الإبداع أو الإنتاج مع من تحب جماداً أو مخلوقاً أياً كان نوعه ، وتؤمن بأن الإنسان بمفرده قليل وقليل جداً، لذلك نجد أن الحبّ يعمل على اللغة الاجتماعية المتولدة من شعور الانتماء للأرض والسماء المنجبتين للإنسان والمجموع الحيِّ،

وكل ذلك مخالف للغة أنا، حيث أنا التعالي والتكبّر والتفرد، هذه الأبعاد الثلاثة المكونة للكراهية، وكلما تعمقت لغة أنا تعمّق التمرّد والتفرّد والانفصال عن الآخر الجمع .
الحب قشعريرة جوهر الإنسان، يظهر على جوهره، يدعوه في اللاشعور للارتجاف، عنوان عريض يؤمن بوحدة الوجود، ووجود الوحدة، كيف يحصل هذا وينتج لغة التطور؛ التي توظف الماضي أمام الحاضر، من أجل الانتقال إلى المستقبل،

هذه الثلاثية تتجسد ضمن لوحة تحمل طقوساً استثنائية لا تمتّ للظواهر الفيزيائية، إنما كيمياء حيوية ومعادلات نسيجية قادمة من ثنائية اتحاد القلب والعقل؛ التي تنجب من خلالها ما يساوي الحبّ، وتنثره على حقول الحياة الإنسانية،

وأؤكد أن الإنسان يختلف كثيراً عن البشر، بكون البشر كراهية، أي في معناه الدقيق بدء شر، بينما الإنسان أنس وأنيس وجليس، يعترف بالآخر وبدونه لا يمكن له الحياة، بل يذهب إلى الحيوانية البشرية، وطقوسها التي لا تصنع إنساناً .

الحبّ يحتاج فائض الوعي بعد الامتلاء والكراهية، تمثيل فلسفي لا علاقة له بجوهر الحبِّ، فالخلل بينهما يقبع بين الوجود واللاوجود، بين تطوير لغة الكراهية، أي العدوان على الآخر، والاندفاع لفتح الباب، واستقبال الآخر أياً كان شكله،

الحبّ لا يحتاج إلى أبواب، وسهامه نسائم صيف حار عليلة تنعش القلوب، بينما الكراهية ضدّ الحب، والتي نعتبرها ضرورة حياتية بكونها محركاً ومحرضاً للإبداع الإنجابي، لا يحتاج مرة ثانية إلى طقوس، وهو الممتلك لسهام الاستشعار عن بعد،

لا يمتلك الحبّ أي فكر وبرمجة (لا يعترف بالعقيدة والعقائد أي الإيديولوجيا والمؤدلجين) فهو لغة جمع تتماهى وتتباهى بلغة جمع القلب مع العقل، تمتلك النفس المطمئنة، وهو حوار الإنسان ضمن مسيرته على مساحات جغرافيته المسموح له بأن يسير عليها، ضمن تجليات بواعث الحبّ، ووظائفه التي تنطلق وتعتمد مبدأ سيطرة السمع والنظر والإحساس الموضوع التي تشكِّل جوهر مثلث إثارة الأفكار الداعية للتلاقح الوجودي، لغة السماء والأرض،

كي تنجب الآثار الاجتماعية المنعكسة على باقي محاور مثلث التابو- السياسي الاقتصادي والاجتماعي- أو أضلاعه: الجنس الدين والصراع الطبقي.

لا يمكن أن نقارب كلّ ذلك بالكراهية، فالحبّ ضدّها لأنه يمتلك مفاهيم لغة الحياة الشابة، الحبّ ذكرٌ بحثه الدائم وسعيه إيجاد أنثى ينجب منها لغة الاستمرار، الكراهية لغة فقر وأنا فردية عقيمه تسعى لدمار إنسانية الإنسان.

د.نبيل طعمة

 

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …