الـطـاقـة والـمـادة

إن كل المظاهر الفيزيائية للوجود تنشأ من مظهر الوجود نفسه أي (الموجودات)، وتعتبر الشمس هذا المظهر الفيزيائي الأم الموَّلِد للطاقة، بكونها هي الطاقة بحد ذاتها، والتي في الحالة العلمية وُلِدَ منها كوكبنا بحادثة الانفجار الهائل، والذي أدّى لَتِشَّكل الكون بكواكبه وكويكباته وظهور المجرات وما سُّمي لاحقاً بالمجموعات الشمسية.

فالشمس التي تمنح وتنشئ من إطلالتها وأشعتها المرسلة كل أنواع الطاقات، والتي تسَّيِر كلّ حركة الكون، وما عليها من تسخين الجو المحيط بكل الكواكب الحاملة للموجودات وغير الحاملة تبعث الحركة من خلال طاقة التسخين، فنرى الكون بمجمله يسير باتزان.

ومن خلال البحث العلمي العميق والذي تخصص في دراسة الكون وموجوداته ومتابعة العلماء ليومنا هذا لهذه الأبحاث، والإدراك الحقيقي لماهية الوجود بأقسامه وتجانسه، وتوافقه من أجل الحياة المنطقية السليمة لنا ولكوكبنا ومجموعتنا الشمسية، نجد أن الزمان والمكان يقابلهما مادة وطاقة،

فبدون المكان لا وجود للزمان، فهما أولاً متلازمان والعكس صحيح أيضاً، وبدون الطاقة لا تتحرك المادة ولا المادة بشكلها (المادّي) تتحرك، والكل في التكوين أساس لتشكل مربع الهرم المؤلف من المكان والزمان والمادة والطاقة في التكوين أساس الحياة.

وبالمجموع نحتاج إلى التأمل والتفكر لنكسب من الطاقة قوة للفكرة، والإنسان بمجمله مادي حتى بتكوينه (الجسد والروح)، وهما يحتاجان إلى الطاقة من أجل توليد فعل الحركة.

إذن ما هي الطاقة؟.. وما هي أنواعها؟.. وكم نحن نحتاج إليها.. وهل هي الروح.. أم أن الروح كامنة في مجموع المادي واللامادي فتحتاج الطاقة لتحركها.

وهل الطاقة في الكون ثابتة دائمة باقية على الدوام أم تفنى أم هي تُستَحْدَثْ..؟
نعم نحن نحتاجها أولاً، وثانياً ليست هي الروح، وثالثاً هي ثابتة لا تفنى ولا تُستَحْدَثْ؛ بل تتحول عند استثمارها من صورة إلى أخرى، ومن شكل إلى شكل آخر عند استنفادها في فعل ما.

وهي القادرة على تحريك المادي والروحي في كل أنواع الخلق الإنساني وغير الإنساني ليتحرك من خلالها كل شيء.

فالمادي تُحَرّكه الطاقة عبر استخدام المحرّضات والتي تتكون من أنواع الغذاء والماء والرياح، ليعود فيحرّض ويحرك كل الماديات، والشمس التي تؤدي في مجموعها لتحريك اللامادي من خلال إعطائه طاقة النمو، وتجعله جاهزاً للتعلم من خلال التأمل والتفكر،
ومن ثم تكوين الملكات وتحريكها التي تؤدي إلى توليد الإمكانيات المنجزة للأفعال والأعمال، فتدور عجلة الحياة المادية والمستلهمة في الأساس من الحياة الطبيعية المخلوقة روحياً في كمال لا متناهٍ، نحاول إدراكها (ولا ندركها) فننقلها من خلال استثمارنا للتأمل بها والتفكر في خلقها، فتحدث الإنجازات كما كان في القريب من الزمن منا، حيث إن التأمل في الطير أنجز الطائرة، والتأمل في الحوت أنجز الغواصة، والتأمل في النور أنجز الإنارة،

وهناك الكثير الكثير، فمن هذا نستدل أن النجاح في الإنجاز هو من خلال التأمل واَلتَوُّحد الأكبر هو توحد الروح والجسد، والذي احتاج إلى الطاقة لنصل إلى ما نحن عليه الآن.

فالإنسان (آدم) الذي يتحدث عنه القَصَصُ الديني بأنه كان نوراً والذي أخطأ في مسيره ليكون بشراً، وأكل التين فحُركت وتحركت غرائزه من خلال تولد الطاقة في جسده المادي والروحي، فكانت (التينةٌ أو التفاحةٌ) أول مادة تتداخل مع مادي وروحي في آن، لتتولد في داخله طاقة دفعت به لرؤية الحياة الطبيعية، وتبعده بذلك عن الحياة النورانية، وكانت نقطة التفاعل الأولى معها،

وبدأت مسيرة الإنجاز للإنسان وأنجز ما أنجز حتى الآن، وهذا ما نسميه الطاقة الحيوية والتي يكون مظهرها وشكلها نبضة الحياة في كل كائن حي، وألوانها: ذرة، خلية، فكرة، نبات، إنسان، نجم، مجرة، كون فسيح.

فالطاقة الحيوية، والمتمثلة في الماء والهواء والغذاء تمثل إحدى أربع دعامات تقوم عليها الحياة في كل مراحل التطور، ويمكن الإحساس بالطاقة الحيوية وقياسها، ورؤية آثارها في بعض الأحيان، كما أنها الذرَّة التي تنتج السرعة الخرافية بدوران الإلكترونات سالبة الشحنة حول النواة الموجبة الشحنة، فتمثل في كوكبنا الأرضي المجال المغناطيسي الذي يحفظ فيها الحياة بتوازن منطقي الحياة.

والطاقة في الكون قيمة وُجدت لحفظ توازنه ولتؤثر فيه، وفي كل موجودٌ تحت سقف السماء، فتتناغم معها كل منظومات الكون، فنرى الكون يسير بانتظام لا متناهٍ، وبمسافات وأبعاد وقوة حركة دقيقة جداً،

فمثلاً تسير الشمس بسرعة 12كم في الثانية، معنى هذا أن الطاقة المحركة لها والمعدة لتحريكها محسوبة لتمسك بهذه السرعة، والقمر بسرعة 18كم في الثانية والأرض بسرعة 15كم في الثانية إذن هذه المنظومة لم تكن لتسمّى منظومة لولا أنها منتظمة الطاقة.

أما في الإنسان فإنها تشكّل الومضة التي يتم إنتاجها داخل كل خلية في الجسم الإنساني، وفي الأجسام الحيوية الأخرى، ومهما كان حجم هذه الخلية وموقعها ووظيفتها، وذلك من خلال التفاعلات الكيميائية التي تتم داخل الجسم لتعطيه الطاقة، وتتحول إلى قوة فكرية تفكيرية أو عضلية حركية، تمكنه من أداء وظائفه الحياتية وتستكمل بذلك دورة الحياة.

أما الطاقة الروحية، والتي عجز كل علماء الأرض عن الدخول إلى عوالمها وقياسها ومعرفة قواها الخارقة وعلاقة اندماجها وامتزاجها بالجسد المادي، وحيث إنه لا يمرّ يوم من أيام الدنيا إلا والدراسات، والاكتشافات تخرج بجديد علهَّا تصل إلى شيء جديد عن تلك الطاقة، والتي إن تولدت كانت القوة اللامتناهية المنبعثة من التحام الطاقة بالروح والروح بالجسد. وتستمر الأبحاث والمحاولات ويستمر البحث.

فمثلاً أخذوا المخ الذي يتمثل فيه العقل المرئي واللامرئي صوّروه وشرّحوه ودرسوا تلافيفه ومساراته وأبعاده، فخلصوا إلى عقل أكثر عمقاً غير مرئي، ولا محسوس، ولا مسموع، تنطلق فيه أوامر الروح فسموه العقل المطلق؛ الذي يكون ما وراء العقل النسبي المرئي من الأفعال، ومنهم من سماه العقل الباطن،

ولكن نقول: إن مثلث الحياة المتكون في الأساس من العقل المطلق والمادة والطاقة يتحول إلى مربع لدخول العقل النسبي المتجسد في الإنسان، والذي يحتاج في ما وراءه إلى العقل المطلق والطاقة والمادة.

فمن خلال اندماج الجسد المادي بالروح، وتَشَّكُل العقل النسبي في داخله، وبوجود الطاقة الروحية والتي تكون وتتكون من العقل المطلق الذي لديه قدرات، لم يدرك العلماء منها حتى الآن إلا القليل، نرى إذن تنوعاً في الطاقة ومنها الطاقة الروحية.

فالطاقة الروحية طاقة هائلة كما قلنا، يستمر البحث للوصول لمكون سرّها كونها محاطة بهالة ذات العقل المطلق، وتتلون الطاقة الروحية بألوان مختلفة كالخير والشر والذكاء والغباء والحركة والسكون، والانفعال والهدوء والسرعة والبطء، بحيث تشكل التفاوت في الدرجات وبحسب إمكانات الجسد المادي ومقدرته على إطلاقها.

فسرُّ الحياة اليوم وجود الروح فيها في كل مكوناتها، ومكنوناتها، وخلالها، وتغلغلها، وانتشارها في محاور الكون أو في خلايا الجسم، أيّ جسم تمنحه الحياة لتشترك وتشارك هذه الخلايا في إنتاج وتشكيل وإنجاز مجال من الطاقة يحيط بالجسم، ويتغلغل فيه ويغلفه بدرجات متعددة من مجالات تلك الطاقة، فيفعّله ويحرِّكه ويحوِّله أيضاً من مكان إلى مكان، أو من حال إلى حال،

فالهدف من وحدة الجسم والروح والعقل وضرورة البحث في إيجاد علاقة وثيقة جامعة بينهما، وبين التركيز الذهني والاستفادة من الطاقات الداخلة إلى هذه الوحدة، يؤدي إلى تفجير الطاقات الكامنة والمختزلة والمختزنة، إلى تفجير تلك الطاقات الكامنة على اختلاف أشكالها: فكرية، عضلية، حركية في هذا الوعاء البشري (الجسم)، فيؤدي كل هذا إلى التطوير والتطور.

فليس من السهل أساساً زيادة التنمية وتطوير إمكانات العقل، وتهذيب الروح وتقوية الجسد في آن واحد قبل فهم نوعي لحقيقة الطاقة، ومصادرها وفهمها ونقاط قوتها وضعفها، والتي بدورها تؤدي إلى زيادة الإنجاز وتطويره في كلِّ ما ذكرت.

لقد أصبح البعض من البشر الآن يفهمون علمهم بما يحتاجون لتطوير بنائهم الفكري والجسدي، وعلاقة الترابط والضرورة الحتمية لهذا الترابط والتلاحم من خلال التأمل والتفكر وملاحظة الطبيعة بعقل محايد، أصبح هذا الجزء من البشر متفهماً لوجوده وحاجة الوجود له، فكل المظاهر الفيزيائية للوجود تنشأ من مصدر واحد هو العقل المطلق (عقل الكون الناظم لحركات وجود الكون ووجودنا فيه ذو الطاقة الهائلة المتحكمة بحركته).

وإذا ما دخلنا على هذه الطاقة الهائلة المُتحكّم بها من قبل العقل المطلق نجدها طاقة موجبة وطاقة سالبة، والحقيقة العلمية التي توصّل إليها العلماء تقول: إن المادة بأشكالها المختلفة (أي مادة) طاقة موجبة الشحنة، وإن إجمالي الطاقة المكونة لمادة في الوجود لها نقيضها على شكل طاقة سالبة، لم تتحول إلى شكل مادي وهي أيضاً حقيقة علمية أي (الفراغ الكوني).

فالمادة بأنواعها تقع تحت تأثير الزمن ثباتها وحركتها، ويظهر ذلك عليها ليتحول كل هذا إلى حقيقة من الحقائق العلمية، لذلك نقول ونستنتج إن إجمالي الكتلة المادية الكونية الموجبة وبحال الشمول، لها ما يعادلها، وبالقدر نفسه من كتل الطاقة الفراغية السالبة الشحنة، وهذا دليل يبيّن ويؤكد أن المادة آتية ساعة نشوئها من حالة العدم.

بمعنى أن كمية الطاقة الموجبة المتكونة منها المادة تعادل في قيمتها بالتساوي الطاقة الكونية السالبة، وهذا يؤدي إلى فهم معنى ثبات الطاقة في الفراغ الكوني؛ الذي غايته المحافظة على كل الكون وأشيائه، والطاقة موجودة في المادة متحولة من شكل إلى آخر، وهذا إثبات أيضاً على أن الطاقة ثابتة لا تنتهي ولا تفنى، ولكن تتحول من شكل إلى شكل آخر (مثلاً الخشب).

وخلاصة الكلام: إنها نتاج لمصادر متنوعة يؤدي استخدامها أو التفاعل معها لتحريك الكتل ذات القوى الثابتة والمتحركة من نقطة إلى مكان ومن مكان إلى آخر، فهي موجودة في الشيء ومؤثرة فيه محرضة له فاعلة فعل الحركة،

وهي مكونة ومتكونة ناقلة ومتنقلة موجدة لا تفنى تعيش أبدية في حركة انتقال دائم بين الأجسام مادية كانت أم بشرية كامنة متفجرة خاملة إلى أن يحين وقت تنشيطها وتكون على أنواع بشرية (فكرية – عضلية) حيوانية (عضلية) (طاقة الوجود) ونباتية (طاقة النمو) ومنتشرة هائمة كطاقة الرياح والشمس والنجوم والقمر، وجامدة موجودة في مكونات الأرض ومنشآتها كالطاقة الذرية وانشطاراتها.

لذلك فإن أي جسم حي يمتلك طاقة وهو بوضعية السكون، فكيف يمتلكها بحالة الحركة وكيف تتحول إلى حركة، فالأبحاث التي أكدت على وجود شكلين للحياة. الأول طاقة والثاني على شكل مجسم فراغي يتداخل هذان الشكلان ضمن الجسد الحي، فتكون السيطرة للشكل الأول بكونها تؤثر على الشكل الثاني للمحافظة عليه، من خلال حفاظها على حياته وإعطائها القيمة الحقيقية لوجوده.

ففي خصوصيتها الإنسانية، والتي هي مدار بحثنا نستطيع أن نوافقها زمنياً مع عمرنا المعاش والمقدر إلى نهايته، فهل هي باقية لا تفنى، وهل هي تنتقل بين أجسامنا وعقولنا دفعة واحدة بكوننا وعاءً تسكنه؟ أم هي مجزأة وموزعة بدقة بحسب استهلاكنا لها، وبحسب ما ننجز من أعمال مهمة هي بحد ذاتها تنتقل إليها فتصبح لدى الآخرين بالإحساس مهمة.

فالطاقة تعيش في الأشياء المنجزة ذات الأهمية من خلال تقديمها الفعل للآخر في البقاء، نشعر بها وإذا تفاعلنا معها نستطيع أن نأخذ منها ونقوى من خلالها.
فمثلاً لو أننا سرنا بين وخلال الحضارات المنجزة لأحسسنا بعظمة المنجز ولكن كيف؟.

فلو تمعنّا بعظمة الإنجاز لوجدنا أن المنجز أفرغ من طاقته في هذا الإنجاز، فها هي “تدمر” بأعمدتها الشامخة تروي لنا: كم تحمل من الطاقة المأخوذة من رجالها من سواعدهم ومخيلاتهم، كما أهرامات مصر والقلاع أينما وُجدت، لقد أفرغ في هذا التاريخ كمٌ هائلٌ من الطاقة نعيشه ونستمتع به لو أردنا.

وكما الموسيقا تعطينا أيضاً الطاقة (بيتهوفن – وموزارت – وباخ- وتشايكوفسكي) يعطينا الأدب كتولستوي وغوته وهوغو وابن سينا والخوارزمي وابن رشد وابن عربي. وهكذا نجد أن الطاقة متوفرة، حتى أن الرجال أي (رجالات العصر) يستمدون من محيطهم الطاقة، فكلما صَدَقوا صُدِّقوا والتف حولهم الرجال، فأصبحت هتافاتهم طاقة لهم وأصبح دعاؤهم طاقة لهم وأصبحوا من خلالها قوة منشأة،

فها هي الطاقة تنتقل وتعيش كما أشرنا في الأشياء المنجزة، فتنساب من الجسد لتسكن الحجر، فنحس به أنه يمتلئ طاقة بالفعل، كما هو إحساسنا بالموسيقا التي تنعش عقولنا أو الكلمات الخالدة عبر الكتب القيمة وذات الرسالات الحقيقية.

إن فهمنا للطاقة فهم علمي منطقي عقلاني، يعطينا من القوة للحياة ما لا تعطيه الكيمياء الطبيعية فإن استُجمعت في لحظات الألم لغلبته، وإن ركزّت في أمر ما لحركته مهما كان نوعه وشكله.

وهكذا نجد أن الطاقة تمثّل فتحة في شيء ما، يدخل منها النور والهواء والشمس لتمنحنا شيئاً جديداً أو نُدخِل إليها ومن خلالها أشياء جديدة تمنحنا القوة والنماء.
المصدر : فلسفة التكوين الفكري

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …