عنق الزجاجة

لا تسمّى زجاجة إن لم يكن لها عنق، وبما أنَّ الجميع منحصر ضمنها، ويتدافع من أجل الخروج من عنقها بكونه المنفذ الوحيد والاتجاه القسري، لذلك نرى الجميع يتدافع للخروج ولكن دون أن يخرج أحد، لماذا الكلُّ متعلق في بعضه ومع كلّه، بكون جغرافية الزجاجة ضاقت جداً بما تحتوي. طبعاً، نتحدث عن الموجودين في داخلها والمؤثرين والمتأثرين بهم وبها .

بالتأكيد أقصد منطقة الشرق الأوسط وما تحتويه من ظروف ضاغطة، منها ذات منشأ ذاتي، ومنها ما يسقط عليها، أي ما يسقط من عنق الزجاجة، ولا مفرّ إلاّ من خلاله، من أفغانستان إلى إيران، إلى العراق، مروراً بسورية والخليج وتركيا والأردن وفلسطين، والكيان الصهيوني إلى مصر والسودان، وصولاً إلى المغرب وساقية الذهب أو صحراء البوليساريو، وعلاقة هذه الزجاجة مع الغرب والشرق،

حيث أنها نقطة انطلاق وتلاقٍ، ففيها الخلاف والاختلاف، والصلح والتصالح، والفرقة والافتراق، والانجذاب والانفلات، لا أستثني أمريكا وروسيا وأوربا والصين واليابان، فالجميع لهم مصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية، وقبول ورفض، ومآرب ومكاسب، والكل يبحث للخروج من عنق الزجاجة .

القاعدة المنتشرة عالمياً، النووي الإيراني، المحكمة الدولية والحريري، دارفور وجنوب السودان، الانتخابات المصرية، اليمين واليسار الصهيوني، الطّرود المفخخة من اليمن ودبي والباكستان ولندن ونيويورك، الانقسامات حول العالم الديني والعالم المادي، واللّعب على أوتار حقوق الإنسان والأزمات المالية والسياسية والاجتماعية، جميعها متعلّقة بالزجاجة العالمية؛ التي تحمل اسم الشرق الأوسط وعنقها الذي يتنفّس من خلاله الجميع، وجميعهم يريدون الخروج منها .

وبما أن الجميع يدور داخل الزجاجة، ومحاولات عدم المساس ببعضهم، فإنهم يخضعون إما لحالة الانفجار نتاج التدافع، أو الاختناق، إذا ما أتى أحد وأغلق عنق الزجاجة، أو للانفراج بأن يكسر أحدٌ ما تلك الزجاجة، فينفلت الجميع إلى حالة من الضياع، لا يدري أحدهم في أيِّ الاتجاهات يسير، أو أن تميل وتصبح مسطحة تتدحرج سقوطاً إلى أن تصل أعماق البحر، تنتظر غواصاً يلتقطها، ويفرج عن الجميع، لكن من هو القادر على امتلاك الجرأة والإقدام لفتح كامل تلك الملفات، وربطها جميعاً، ومن ثمَّ حلّها، أية معجزة يحتاجها قاطنو تلك الزجاجة لتخرجهم جميعاً من عنقها، وهل يمكننا أن نعتبر أن بداخل هذه الزجاجة العديد من الزجاجات ؟

فمثلاً لبنان زجاجة ممتلئة بالتناقضات، وكذلك أفغانستان، ومثلها زجاجة العراق، وزجاجة السودان ومشاكله التي تدور ضمنها من محكمة الجنايات إلى الاستفتاء على انفصال الجنوب، وزجاجة الكيان الصهيوني وصراعه بين إكمال التسلّط على الأراضي العربية وإعادة الحقوق إلى أهلها،

وجميع هذه الزجاجات قابلة للانفجار، بكونها تحمل أزمات شبيهة بالقنابل النووية، ماذا سيحدث ضمن هذه الزجاجات المسمّاة بالشرق الأوسط الكبير أو الصغير، من يحمل مسؤولية الانفراج والانفجار، الكلُّ متيقظٌ، متوثبٌ، متحفزٌ، حذرٌ، يستعد، يجهّز ويتجهز إلى أين؟ لن يخرج أحد من عنقها، فالكل كما قلت متعلقٌ ببعضه وبكله، والكلُّ يريد أن يحافظ على الزجاجة من التسطّح أو الانسداد، والكلُّ متعلق بالقليل القليل من الهواء الذي يعتبره متنفّسه وفيه ترياق نجاته وبقائه .

ماذا سيحدث لو أن زجاجة صغيرة انفجرت ضمن الزجاجة الكبيرة المسمّاة الشرق الأوسط، وما مدى الانعكاسات التي ستنشأ عن حدوثه، كيف ستكون الصورة، هل ستتهشّم الزجاجة الكبيرة ويخرج الجميع من هذا الثقب بدلاً من العنق، أم أن جميع الزجاجات ستنفجر، وستشتعل الزجاجة الكبرى، وستطال نيرانها طوكيو وبكين وباريس ولندن و واشنطن، المشهد ينذر كثيراً بالمخاطر القادمة، وإن بقي على حاله فالخطورة بحدِّ ذاتها مؤجلة، حيث أن الجميع يعيش في زجاجات ضمن الزجاجة الكبرى والتي هي الشرق الأوسط .

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …