العدوّ الخفي

عن أيِّ عدوٍّ نتحدث؟ الشرق أم الغرب، اليمين أم اليسار، الكفر أم الإيمان، الشمال القابع فوق الجنوب أم العكس، مَن عدوّ مَن؟ قابيل القاتل البشري أم هابيل الإنساني المسالم، هل هو افتراض وهمي أم حقيقة مادية، من يصنعه، وهل صنَع ذاته بذاته، أم أنه متكون من كائن ناري، وما معنى مارج من نار؟ فغدا عدوّ الماء، والماء حياة، أم أن الماء عدوّه،

وبالتالي هو عدوّ الحياة، والحياة طبيعة وأمان، وهو شرّ موجود ضمن المنظومة الفكرية البشرية، على شكل ضرورة حياتية من أجل استمرارها، فبدون وجوده لا وجود لها، وإلاّ إلى أين تسير، هل يعقل أن تكون في الطريق الصحيح دون مطبات، وحفر، وشرٍّ، ووسواس يوسوس لك، غايته حرفك عن طريقك السليم؟.

صراع أزلي أبدي يعيش في جوهرك، بين الوهم والصورة، أمامك أو خلفك كحقيقة أنت أيها الإنسان، بدأ معك منذ اللحظة الأولى لوجودك، حينما قتلت أخاك، فانتصر عدوّك عليك في داخلك، وسيطر على قواك الخيّرة، وحوّلها إلى شرر، نَجَم عن شرِّ العداوة التي طوّرت الشهوة الجنسية والمادية، لتقوم بقتل أخيك، والغاية الاستيلاء على الأرض والعِرض والنتاج، قصة صراع أزليّ، هي قصة العداوة، سمّها ما شئت: الشيطان، إبليس الذي تلعنه كلّما ارتكبت خطيئة، والجهل الذي تعتبره عدوّك من الحكمة القائلة: ” إن الإنسان عدوّ ما يجهل ” ليكون الجهل أكبر عدوّ، وأول عداوة تقف كعقبة كأداء أمام تطور بنائه الإنساني.

تعال معي، وتعالي معها ومعنا نشكل فريقاً إنسانياً، لنسأل بعضنا: متى يتحول الإنسان إلى عدو تتملّكه العداوة والمعاداة ضد الآخر وضد ذاته ، ومن أجل ماذا نجيب بعضنا أن البشر الفردي اثنان في واحد؟، صورة وجوهر، والإنسان الإنساني واحدٌ متّحد ومتصالح في الحضور ،

أي لا فرق بين الصورة والجوهر، من ذلك نجد أن العدوّ صورة ليست فقط لفرد إنما لمجموع، والعداوة مجموع: أي ليست مفرد بكونها انقلبت على جمل السلوك. من خلال التأمل نجد أن العدو يعني الآخر، أي الجزء الثاني في الإنسان ويمكن أن يقبع في عقله أو قلبه  أو الإنسان المقابل الظاهر والمجاهر بالعداوة الكاملة، إما أن يسكن فينا أو يكون مقابلنا- أمامنا، وعلى حدودنا التي نمتلكها، وليس بالضرورة أن يكون كلُّ مقابل عدواً لأننا بذلك نتحول إلى أعداء.

وأسباب نشوء العداوة ناتجة من الأحقاد، والأحاسيس والمشاعر بالكراهية التي تزرع الخوف والرعب، وليست فقط مقتصرة على الأضعف والأقوى، فكثيراً ما كان الأقوى يتمتع بإنسانية الإنسان، ولا يدري عن تلك العداوة شيئاً، بكون العدوّ بنى عداوته من نظم الحسد والغيرة والحقد، وكذلك كان الأضعف بطيبته، وقوته الروحية، وكرمه وإخلاصه، فبنى له الآخر عداوة من حيث لا يدري .

وأشار الإله الكلّي لحظة إعطائه الإشارة لبدء الخليقة ومسيرها إلى وجود العداوة، حينما تقدّم له طاووس الملائكة إبليس مخاطباً إياه بأن يمهله إلى يوم يبعثون، وقائلاً: لأغوينّهم أجمعين، أي لأرمينّ العداوة بينهم حتى آخر يوم في حياتهم، وأنا لهم عدوّ مبين، أي سأتجلى لهم في المغريات، أظهر لهم كمحب دائم وأزلي، وفي حقيقة الأمر سأزيّن لهم الأفعال الناقصة .

العدو نقيض الحب، والشفافية، والإخلاص، والجمال الحقيقي، والعمل الجاد رمز الحياة، كما أنه حاجز، مانع، تهديد ووعيد، وكلّ ذلك من أجل خلق آليات العداء للحياة التي من أجلها نحيا، يرافقنا الخوف من عداء المجهول المتجسّد كحقيقة في أشياء مهمّة نعرفها ولا نعرفها، نفترضها من أجل استمرارنا الحذِر، سألني أحدُهم: هل لديك أعداء أو عداوة من أحد أو عدو مفترض؟

أجبته: حينما تسير إلى الأمام لا تستطيع الالتفات إلى الخلف، أي أنك إذا التفتّ لتعرف من خلفك يتابعك، ربما عرقلتَ مسير الآخر، أو عرقلك شيء صغير فتقع ليدوسك الآخر، وهذا ما يرومه العدوّ، ومنه كانت ” إذا طعنك عدوّ من الخلف فاعلم أنك في المقدمة”، العدوّ ربما يكون أمامك والبحر من ورائك، فأنت في تلك اللحظة بين المطرقة والسندان، كيف ستنجو؟

تفَكّر، فالذي يتفكر يصدق الأمين ينجو، ويخرج بوصول يد الأمان إليه لتسحبه كما تسحب الشعرة من العجين، طبعاً، أقصد صاحب الحق الذي لا يهمّه العدوّ مهما تطاول أو قصر، ومهما بلغ من القوة أو الضعف، نحن جميعناً أياً كان شكلنا أبيض، أو أحمر، أو أصفر، أو سود، أو حنطياً نستدعيه بحكم ضرورة العيش والحياة وإرادة وجودنا .

لماذا العدو يعني حالة الصراع مع الذات حول الوجود، وإثبات الوجود، وتملّك الواجد؟ معارك طاحنة يخوضها الإنسان طيلة مسيرة حياته منها: البناء والتكوين، والحضور، والمقاومة المستحقة والدفاع الواجب، لماذا يحتاط ويبني الأسوار ويصنع الأبواب والحدود والسدود،

ألم يفعل الإنسان القديم ذلك الموغل في القدم مثلما نفعل، خلق فكرة التوطين من أنثاه التي خافت على وليدها، توافق معها  من أجل إنجاز وطن، فأنجز له سياجاً آمناً، بعد أن كوّن أسرة ومجتمعاً على شكل أسرة وقبيلة، سؤال أضعه برسم أفكاركم: من هو العدو الذي نخافه؟ في الحبّ لا نخشى ملامة لائم، في الخوف نهاب عدواً يجب أن نستعدّ له مجهولاً كان أم معلوماً، ينتهي الخوف حينما نمتلك العلم والمعرفة، والفهم، والإيمان بمكوناته.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …