الإيمان

ثقة تنغرس في القلب والعقل، تؤتي ثمارها حينما نتجول بينهما، فنجد أنهما يمنحانها إلى المظهر، فيظهر المتمتع بها واثق الخطوات والأفعال، فهامٌ عارف عالم بما يريد تخيلاً وتخطيطاً وتنفيذاً وجودة إنهاء ، على الرغم من سكن ذلك في الرؤية اللامنظورة؛ التي يسير إليها بإدراك وامتلاك، دون معرفته بالأحداث اللاإرادية التي يستسلم لها لثقته بإيمانه، بماذا، ومن أجل ماذا،

وما هو الواجب الذي يدعوك لاتخاذه موجهاً ودليلاً ومساراً، تبغي من خلاله امتلاك شعور الأمن والأمان بين مظهرك وجوهرك؛ الذي أسألك وأسأل ذاتي وأسألها، بكوننا جنساً إنسانياً عقلياً حياً لم نمتلك القدرة على فهم عقل الآخر،

أي: الموجودات الحيّة التي تحيطنا (حيوان، نبات، جماد)، هل هو حق الإيمان أم حاجة أكثر من ذلك؟ ادخل إلى جوهري، وأدعوك للدخول إلى جوهركِ أنتِ الأنثى صاحبة النصف الآخر من جنسي، طبعاً الخطاب يخصّك كما يخصني لنتفكر في معاني هذه المعادلة: ” إن من لا يؤمن بشيء يسقط بسهولة أمام أيِّ شيء” أي شيء: حجر، شجر، صَدَفة، جبل، وجود لا وجود، فكرة، معتقد، عقيدة، المهم أن يكون لديه شيء يؤمن به، يدافع عنه ضمن منظومة الحوار العاقل،

وأقصد بالعاقل: الحكيم، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً عظيماً، وأشير مؤكداً على الحكمة، بكونها تمتلك الحبَّ والإنصات للحوار المتعدد من أجل بلوغ الحقيقة، أو الاقتراب منها، أي الوصول من خلالها إليه والتمتّع به، يعني استثمار كامل الطاقات الموهوبة والممكنة ضمن إمكانية الممكن، من أجل الشعور والإحساس بمزايا وقيم الحياة .

هل يمكن أن يكون الإيمان ذاكرة؟ وحينما تؤمن بذاكرتك تؤمن بمكانك، وزمانك، ومحيطك، وأنسك، وأنيسك، وناسك، كون الذاكرة مخزوناً مما تفهمه مبكراً، وتعرفه لاحقاً، وتتعلمه علماً كي تعمل به أثناء مسيرة حياتك؛ التي تضيف إليها غنى بتعرّفك عليها،

فعملية الإيمان بالشيء أي شيء لا تقوم إلاّ على البرهان الممتلك للنتائج الحاسمة؛ التي تخضع لعملية الشكّ واليقين، فحضور الشكّ يؤدي إلى تجلي القيم المطلقة، فلا يمكن لأحد إخضاع أيِّ أحد آخر وإكراهه على الإيمان، كما لا يمكن منع أيِّ أحد من أن يؤمن بأيِّ شيء، وبما أن الإيمان عملية تصديق،

فيكون عليه: إن صَدَّقْتَ فأنت مؤمن، وإن صَدَقت فقد ملكت الإيمان كلّه، وطالما أنك صدقت صدقك الناس وصدقوك، فما تؤمن به: إله، حجر، شجر، بشر، أو عقيدة أياً كان نوعها وضعية، ثقافية- تخيلية، روحية، أم سماوية، أي أن الإيمان هو الصدق،

لذلك نسأل هل يحتمل الإيمان تحوّله إلى يمين، فيظهر ببعديه: الخير والشر، والصدق والكذب؟ .

هل يحتمل الإيمان تحوّله من جهة إلى جهه أي من اليمين إلى اليسار أو تقلبه في الآفاق ، حيث تظهر أبعاده الكامنة فيه، أي التصديق والتكذيب، وهل يكتفي بتحويله إلى عقيدة أو إلى دعاء به طلب فقط، أم أنه  الحب الذي يدعو إلى العلم والعمل، وتبادل الاعتراف بالآخر الذي له أيضاً إيمانه ومعتقده ومفاهيمه؟،

الغاية أن تصل ذاتك نفسك، حاول أن تعلم عنها كلَّ شيء، وأيّ شيء تراودك عنه بحيث لا تتحول إلى مريد لها، فتأخذك إلى الهاوية، إن فعلت واستجبت لها أخذتك إلى خلفها، مستأثرة بك جاعلة منك غيبي الحضور، والغيبي غائب عن الأحداث المنطقية وما يجري حوله، فاقد الحسّ والإحساس، يخرج من عالم المكان والزمان، فينتفي وجوده ضمن الواقع، ليصبح المؤمن اللامؤمن، وغير العارف بصفات الإيمان وسلوكياته. الإيمان ركن وزاوية بها أركان، أي قواعد وركائز تجمع لا تفرّق، تمحو الخطيئة، وتبحث من ثقب الإبرة عن الحقيقة فتراها في أحلى صورها.

إنه الخلاصة التي يدّخرها الإنسان نتاج سعيه للخلاص بعد إخلاصه لشيء ما، وتعلقه بمكوناته التي تملؤه أملاً ويقيناً بأنه أدرك معانيه، وأنه في جوهر ومظهر إنسان عليه أن يؤمن بأخيه الإنسان، وأن على عاتقه يقع بناء الأرض، وهندستها، وعلاجها، وإيجاد السبل الكفيلة لحمايتها، بعد أن يعالج نفسه بالإيمان بها وبمكوناتها، لنؤمن بحقنا في الحياة من أجل حياة المحيط القريب منا والبعيد .

إن أهمّ أنواع الإيمان يظهر من خلال إيماننا ببناء الأرض والإنسان، والإقبال على الحياة بعلمية العلم والمعرفة والفهم، حيث يؤدي ذلك كلّه لظهور الشخصية المؤمنة السليمة، بالصورة الإنسانية التي يتجلى بها الحبّ، فالإيمان في جملته الكلية: الحبّ، وبالحبِّ نحيا ونعيش ونسلم .

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …