يعلم السرّ وأخفى

بحث عنه جلجامش روحياً معتقداً أن هناك ماء الحياة وحاول الفراعنة الدخول عليه كيمائياً ونحن نحاول فكرياً بكون لا حدود للفكر حينما يستجوب ذاته ففيه تتجول أسئلة تحاول اخترق التابو ( المحرم والمقدس ) والغاية معرفة الممكن واللا ممكن فهل يوجد مستحيل وكامل ما يدور في العقل المتفكر قابل للتحول إلى البحث عن الحقيقة والاقتراب منها قدر الامكان  .

لذلك إليك ايها الإنسان مهما علمت لن تستطيع أن تعلم من خلف الباب حينما يقرع بابك تسأل من في الباب يجيبك ومنه صوته تعلم أو لا تعلم حتى تفتح إذاً لا تعلم اسر وأخفى مهما بلغت من طاقة العلم فأنت نسبي وجزء صغير كوني كلما ارتفع الآخر تضاءلت حتى أنك تتحول إلى نقطة ومن ثم تختفي بكونك ولدت منها فكيف به يرى كامل المجموع الكوني ليحق له أن يكون العليم الخبير، علام الغيوب، يعلم ما في القلوب والعقول والصدور، كما يعلم السرَّ وأخفى، هو الحاضر الغائب، الضمير المستتر والمتداول في العرف،

وبين الأعراف لدى جميع اللغات، تجلى كصورة وصمد في أجمل معانيها وأشكالها، لم يستطع أحد أن يستخدم اسمه الأعظم، ولا أن يتناوله بأيِّ شكل من أشكال الضغينة، فله الكل بكونهم منه، من المبتدأ حتى الخبر، مروراً بكامل صيغ الاجتهاد والنجاح والفشل، وبما أنه يعلم مالا نعلم، نطلب منه أن يمنحنا مزيداً من العلم كي نعلم، فلا يريد لنا أن نبقى ضمن الجهل، وإلا لما أوجدنا وهو الذي منحنا العقل وأراد لنا أن نعلم مما يعلم، فكيف بنا نجهل ولا نعلم؟،

أعطانا كلَّ شيء إلاّ شيئاً اكتفى به، ففاق كلَّ ما علمنا وما نعلم وما لا نعلم، وهنا تتجلّى قضية أنه أعطانا الروح وأخفى سرّها عنّا من أجل ماذا؟ وفي ذات الوقت منحنا التكاثر والسلالات بغاية الاستمرار لنعلم أن جميع الإنسان لديه استفسار ألا وهو ما معنى البداية وكيف ستكون النهاية .

ضمن حقيقة الحق وإحقاقه، أي: الإجلال والاعتراف له بأنه يعلم السرّ، وأخفى عنّا سرّها، بكونه يمتلك النظام الأمني الروحي المذهل حينما نحاول إدراكه وأقصد الملائكة المنتشرون في الجوهر وعلى المظهر والذي تعلمت منه النظم والأنظمة السياسية فأنشأت النظم الأمنية لضبط الحياة في محاورها الكاملة والإنسان بطبعه باحث وظنون، وإن بعض الظن إثم، فكيف إذا كان كلّه؟! إلى أين يوصلنا؟

فالظن والتخمين يختلفان عن الشك الذي إن تطور أوصلنا إلى اليقين، فهل يسمح لنا في أن نستعمل الشكّ من أجل الوصول إليه؟ وبما أننا عالمه وهو عالمنا من مبدأ ” ياعالمي أنا عالمك بي تُعلم بك أُعلمُ “، فإذا كنّا وحدة واحد يحقّ لنا أن نتبادل معه الحوار، طبعاً بالحبّ الذي يلغي الخوف وينجب علاقة الخشية بين الحبيب والمحبوب، وأيضاً نحن بحاجة للإخلاص الفكري، والعلمي، والفهمي من أجل النجاح، وتحقيق معادلة التقارب المنطقية بيننا وبينه أي الوصول إلى الخلاص .

لكلِّ مخلوق إنسان حيوان نبات أو جماد سرّه الخاص، وأسراره الدفينة ضمن صندوقه الأسود، والذي يعمل طيلة حياته على أن يخفيه عن الآخر من جنسه من لونه من دينه، ومهما حاول الآخر أن يطال منه طرفاً لن يحصل عليه، يرافقه حتى نهايته ، لذلك هو أخفاه بطريقته الخاصة، يستذكره متى شاء، ويخصه دون استطاعة إفنائه لذلك خص الإنسان بالبحث في ماهية السر الكوني الذي يعلم جميع الأسرار إضافة لملكيته الأزلية لسرِّ الروح، وكما لا يريد أيّ إنسان أن يعلم أياً كان بسره لم يمنح (هو) سرّه لمخلوقه الإنسان، فإذا وصل إليه وعرف ماذا سيحدث؟

سؤال خطير ومهم: ماذا سيجري في داخل الإنسان وكيف سيغدو شكله وهل سيتغير اسمه ، هل يحق لنا نحن جنس الإنسان أن نبحث عنه، وإنني لأجزم بأن البشرية جمعاء تتمنى أن تقبض على هذا السر، فلا أحد من جنس الإنسان يتمنى أن ينتهي الكل بلا استثناء ويتوقف عند سرّه الخاص؛ الذي يراه جزئية صغيرة جداً أمام ذلك السر المحيط، سؤال آخر: لماذا ننتهي، كيف نغادر، متى نسلّم للحق حقه في سرّه، وأيضاً ما هي الطريقة التي تأخذنا من طريقها، من عالم النور إلى عالم القبور؟، لا يعلم أيّ كان مرة أخرى كيف ومتى وأين سينتهي .

قل لي أجبك، إلى أين المسير اللامادي؟ أقول لك: لا أعلم، فهو الذي يعلم مالا نعلم، وبيده السرّ، أسئله بطريقتك الخاصة  فإذا علمنا علمه غدونا مثله، وهذا مستحيل ضمن نظرية اللامستحيل إلاّ مع (هو)، فإذا كان فوق كلِّ ذي علم عليم يحيط بما لا نحيط، والإنسان يسعى للإحاطة، فكم يستطيع أن يحيط، وله كرسي يستوعبه، ومهما بلغ حجمه فلن يصل وسعه ذاك الكرسي الذي وسع السموات والأرض، معاني بها علم الكون الكلي،

أي: علمه وسرّه، وإذا اجتمع جنس الإنسان لن يقدر قدر الكون، فمنه نرى أن الاجتهاد أوصل الفرد إلى غزو الفضاء- طبعاً بالسلطان (العلم)- وإلى الإبداع الفردي في النحت والموسيقا والأدب والعمارة والسينما والمسرح، وامتلك الفرد الإنسان من الثقافة ما لا يمتلكه مخلوق آخر؛ ولكن ضمن السعة الحجمية للعقل الجزئي، فالكلُّ مجموع العقول النيّرة المضاءة منه وبفضل نوره.

إلى أين نسير ونحن نبحث في بحر العلم ومحيطه، والمحاولات التي تجري من أجل استكشاف القمر والمريخ وزحل، هل من أجل الماء والهواء، أم من أجل البحث عن سرّ البقاء الإنساني، والهرب من النهاية التي تؤدي إلى الفناء؟ ففهم نظرية الحبّ مرتبط بعلاقة الخالق والمخلوق، أي: الروح والمادة، والعلم الكبير والعلم الصغير، والبحث في جوهر (يعلم السرّ وأخفى)، ما هو السرّ وما هو المخفي، فإذا امتلكنا نواصي السرّ وأقصد الروح فما معنى وأخفى، والمخفي أعظم، فأوتيت عظمته التي تختفي وراء ذاك الأخفى الذي يدمج ثلاثة الحروف في حرفين.

أعتقد من علمي المتواضع الذي امتلكته بعد تداخلي الازلي مع علم الكون المحيط المنجز من الكلي بعلم أن الروح سرّ بسيط بالنسبة ل (هو)، حيث أنه في التفكير المنطقي لأسباب وجودنا ووجوده في أعماقنا، وامتلاكه لسرِّ الكون الأعظم، هذا الكون المنجز ضمن عملية الهندسة الكونية، ومقايساتها، وأبعادها، وحركاتها، ودورانها، وثباتها، واستمرارها، وزوالنا عنها، وتناسلنا، ورحيلنا ، وبقائنا فيها كجنس إنساني، كلُّ ذلك أدعه بين أيديكم أيها المتفكرون ضمن فلسفة التكوين الفكري، كي نسعى لمعرفة معنى يعلم السر وأخفى بالحب الممزوج مع الخشية دون الخوف.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …