الاجتماعي

نقيض الانعزالي، والأنا الفردية، والنرجسيّة الجوفاء، طبيعي يحبُّ تبادل العطاء، لا يستطيع الابتعاد فهو كالسمك يحتاج الماء، وكالخراف التي لا تستطيع العيش دون المراعي الخضراء. أفترضُ ضمن المقارنة سؤالاً:أيهما تفضّل أن تكون صقراً في السماء تملك الأرض وما عليها، أم خروفاً ضمن طبيعة الحياة ومراعيها الخضراء؟،

رمزية نستعيرها كي نصل معاً لما نريد، والإجابات التي وردتني كانت لصالح الصقر، وتجاوزت نسبتها الخمسة والتسعين في المئة، وفي حقيقة الأمر دلت على أنّ الأنا الفردية الانعزالية؛ والتي تمتلك حبّ السيطرة واقتناص الفرص، والرغبة بامتلاك كلّ شيء، ظاهرة في العقل العربي الذي يعود إليه كل شيء، مهما بلغ الفرد الإنسان من القوة وامتلاك المادي، لكنه لا يمتلك القدرة على الخلق والإبداع الروحي، لأن ذلك من أسرار الأحد الكلي، والجميع على وجه الحياة يحاول أن يتمثل صورة الإله الأحد على وجه الإجمال، دون الوصول إلى المطلق، بينما الإيمان بفلسفة الراعي والرعاة لم تنضج مفاهيمها الجوهرية، لتبقى تحت مفهوم القطيع والقطعان،

ما يؤدي إلى تعزيز لغة الذئبية:” إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”، ومنه يكون الانقضاض على القطيع، أي نشوء حالة الحذر الدائم، وشعور القطيع بعدم الأمان، أو محاولة انتحاله شخصية الذئب، وبالتأكيد هذا يخالف نظرية الراعي والرعية، فالراعي اجتماعي غايته تحويل الرعية إلى رعاة، وهذا يخالف فلسفة القطيع القائمة على أن” المسيطر على القطيع يستطيع اصطياد القطيع بأكمله”، فبيده القوة المطلقة والأدوات، بينما الراعي يحمل الناي/ شبّابته النفخية التي تستجيب له، بكونه ينفخ من ذاته الروحية، ويسرح برعيّته من أجل أن يُلهب مشاعرها- صِبا ونهوند- حباً وألقاً، ورعاية وحماية، مستخدماً بكل قوة وحنكة علوم إدارته كي يُنجب من تلك الرعية رعاةً يشكل معهم مقطوعة موسيقية رائعة، تُسعد الآخرين بألوان المعاني؛ التي تقصدونها وأقصدها حول قناعتنا بالتضاد بين الاجتماعي والانعزالي .

علينا الإقرار بأن الحصول على لقب الاجتماعي يترتب عليه اجتياز تقاطعات لا تخلو من الخطورة الكامنة ضمن عناصر الانتماء العرقي، أو الطائفي، أو الجغرافي، أو العقائدي، أو الطبقي، وتحويل كلّ ذلك إلى لغة الانتماء للكلّ، أي: للجماعة التي يتجلّى بها تبادل العطاء؛ التي تعتمد في جوهرها ومظهرها سلوك الحبِّ بعينه، دون الالتفات إلى منظومة المعتقدات على اختلاف تنوعاتها،

حيث تظهر قواعد وأسس جديدة أهمها الاعتراف بالآخر، وهو ما يؤدي إلى انبلاج فجر مجتمع جديد، يقوده الاجتماعيون المنتمون لفكرة بناء المجتمع العام، المؤمن بالسلوك الإنساني الذي يؤدي لظهور البناء المتكامل، واحترام طبقاته لا الصقور، وحينما يتحاور الراعي مع الرعية؛ لنلحظ ما يجري ضمن تلك الحوارية: الراعي يطلب أن يكونوا منضبطين، محافظين على السرّ والمسار والمسير والانتظام والتقديم لبعضهم، تطالبه الرعية ماذا تريد أيها الراعي منّا؟ أتريد أن نكون لبعضنا عوناً وسنداً من أجل ماذا، ونحن نسير على حوافِّ الوديان والجبال؟، أية زلة منا سلبية تأخذ بنا إلى الهاوية، وإن كانت إيجابية ترفعنا إلى القمم، دعنا نعش على تلك الحواف، ففيها تكمن سعادتنا، حيث الطموح لا ينبغي له أن يبلغ مداه، ولا الانكسار يبتغي منفاه .

الاجتماعية ضدّ الفردية التي تعبّر عن ضعف الإنسان، مهما بلغ من قوة مادية صورية، تؤدي بحاملها إلى النهاية اللاإنسانية، بكونه أكثر المخلوقات هلعاً، وهذه الفردية تتناقض مع حديثنا حول عنواننا الاجتماعي المعني بجماعة الإنس؛ التي ركبت سفينة نوح، فأحدثت النّواح على من طاف ولم يستطع المجازفة من أجل الوصول إلى حالة البقاء المؤقت،

أي أنه عاش في أحلام اليقظة، عساه ينجو وحيداً، ولم يؤمن بأن الجماعة تحتاج التكاتف، والتعاضد، والتعاون، والعمل من أجل خلاص الإنسان، الذي لا يحصل عليه إلا بإخلاصه للجغرافيا والتاريخ؛ المتكوّنين بحكم التعددية الخلاّقة للتكوين، عبر مسيرة الإنسانية المسجّلة للاجتماعي الإبداعي على مساحات الزمن الثابت وأزمانه المتداخلة مع بعضها.

عليه نجد أنفسنا محكومين بالعمل لمصلحة الجماعة، كي تظهر صورتنا الاجتماعية في غايتها المثلى، محققة أهدافها بالتواصل والاتصال، ومعرفة حقوق الآخرين ومسؤولياتهم.

الاجتماعي نتطلع جميعاً إليه، فكثيراً ما نعترف لبعضنا متحاورين ومتحدثين عن ضرورة وجوده وظهوره، لاحتياج جميع مراحل التنمية الفكرية الإنسانية إليه باعتبارها الأهم لأن هذه المراحل تقود جميع عمليات البناء بكافة محاوره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …