النّشوة

ذروة الفعل الإبداعي، الذي يدعوك بعد الوصول إليها إلى لملمة أشيائك، وأجزائك ضمن المتعة الجمالية النادرة، لذلك كانت حالة جمال لا متناهي الإسعاد، يحلق به الإنسان بجزأيه الذكر والأنثى، ليحطّ على قمة السعادة البيولوجية، الساكنة ضمن العقل والروح، محققة له تلك الرعشات الرائعة والخشية المحبّبة؛ التي لا تحدث إلا بعد حصول الاختراق من صورة المادي إلى جوهره وعالمه الهلامي الشفاف؛ الذي سرعان ما يتّحد معه بعد أن يتجول فيه، ويراه ويتفاعل معه عشقاً محبباً،

محرضاً المفاصل الرئيسة من فهمه العميق لمكونات بعضهما؛ التي تحدث نبضات تنبئ عن اقتراب حصول النشوة بينهما، بعد امتلاك الشعور الواثق بالوصول إلى النجاح، لتتجلّى على الصورة الواقعية، وتتفوق عليها، معلنة امتلاك الجمال غير المتوفر تجارياً، والمبتعد عن فكر الضغائن والنفاق والأشراك .

إن نجاح التجربة أياً كانت فهي تحتاج لطرفين متوافقين، التقيا ضمن مساحة واحدة، يطلبان بعضهما بغاية إحداث الاتحاد مع جوهرهما، مما يؤدي إلى التحرّر والخلاص من كامل التشوّهات أو الانحرافات، بكونهما وصلا إلى وحدة الروح والمادة، علماً بأن الكثرة لا تصل إلى إدراكه، لأنها لم تتعرف إلى مسالكه العلمية والإنسانية والاجتماعية،

حتى الجنسية بقيت ضعيفة عندها، والأسباب كثيرة، منها: عدم تذوّق الجمال، والاكتفاء بدراسته دون معرفة كنهه وأسرار جاذبيته، كذلك التعجل المَرضي أو الأناني، والنرجسية والسادية والمازوكية، وحتى وإن وصلت بطالبها إلى النشوة فهي دائماً وأبداً مرفوضة، لأنها تمثل انتصار الطرف الأول وخذلان الطرف الآخر.

هل راقب أحدٌ من جنس الإنسان حدوث تلك النشوة لحظة انبلاج الأبيض من الأسود، النور من الظلمة، أو العكس: دخول الشمس في العتمة بشكل خاطف، حيث تغمض عينيك بمتعة، والقطرات الأولى الممطرة على التربة بعد انقطاع هطولها، وانتشار تلك الرائحة النافذة والأخّاذة؛ التي نشتَمّها في لحظات نادرة، تلهب مشاعرنا الفكرية والجنسية في آن، بكوننا منها وإليها،

أليس هذا التداخل الاستثنائي – نتاج التقابل المذهل- هو أهمّ مثال على حدوث النشوة القادمة من ذاك الإبداع، المؤيّد لنظرية التداخل المادي واللامادي، العلمي، والاجتماعي، والجنسي، يظهر مبدأ اللذة والشعور بقيمة الوصول وتحول الجهد الكبير إلى الذي يفني التعب محولاً إياه إلى فرح الانتصار بالنجاح أياً كان شكله .

النشوة تؤدي لظهور عامل التنوير؛ الذي يشكل منارات نجاح الحياة، والتي هي العمر المقدّر ما بين البداية والنهاية، وظهور الإبداع أو عدمه، أو البقاء ضمن المسار الطبيعي: أي العيش الرتيب دون الحاجة إلى إحداث أيِّ اختراق، يغاير أو يخالف الطبيعة المعتادة المنتظمة، والاستكانة إليه،

بالطبع هذا يؤدي إلى عمليات الفشل الحياتي وانكسار الطموح، وعدم القدرة على الإبداع، بينما الإيمان بالوصول إليها يعني الوصول إلى هالة التجلّي المتكونة من نتاج الحبّ، فكم منّا أدركه الحبّ، أو سعى بإخلاص إليه، وحلم بالدخول إلى حالة الحقيقة؛ التي تنتفي فيها حالتا الزمان والمكان، والتجرّد من كلّ شيء، بدءاً من الخوف وانتهاءً بالأنا وجشعها وفزعها.

الإنسان بطبعه عجول، كثير، وكثيف، متسرّع، هادئ، صبور، فاهم، مدرك، ونادرون هم أولئك القادرون على إلغاء حالة الصراع من أجل انتزاع الجمال؛ لا تقديره وتعزيزه، بكونهم لم يمتلكوا مكونات الفعل الحقيقي، إن النسبة العظمى من الرجال والنساء، والشباب والشابات، الباحثين والباحاثات في العلم والمعرفة والفهم والجنس لا يعرفن الوصول إليها،

وكثيراً ما تحدثت بهذا الشأن فالشكوى موجودة من الطرفين: المادة والمتحكّم بها، فكيف يحصل الإبداع واختراق الذاكرة الإنسانية كي يحدث التعشيش الأبدي، أي الصعود إلى القمة، والوصول إليها ذاك الوصول الذي لا يُنسى أبداً، ينجزه طرفا المعادلة، حيث تكون نتيجته تعلقاً استراتيجياً، يمنع الكثير من قضايا الخيانة الفكرية والجسدية؛ التي يحلّ محلهما الحبّ المؤدي إلى الإبداع الذي لا يتحقق إلا بالإخلاص .

إن اختراق خريطة الجسد أو مكونات المادة، وفهم عمل التضاريس، والتركيب الكيميائي أو الفيزيائي، واجتياح الصعاب المتشابهة مع الهضاب والوديان؛ يؤدي للوصول إلى قمة النشوة القابعة على رؤوس الجبال، تمرّ النسمات المنبِّهة لاستذكار ما حدث، تمنح طرفيها قوة الجمال والحضور، تحت غطاء النشوة بكامل أشكالها الروحية، والإبداعية، والإنسانية، والجنسية.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …