العقل والقلب

تجوال لن يكون على مساحة النظر، أو حاملاً لمعاني السياحة والسفر، ولا غايته الابتعاد عن المعروض والمتاح للنظر، المنشود في الأرض وتحت قبّة السماء المحيطة وما بينهما، إنما هي دعوة لاستكشاف العلاقة المهمة بينهما؛ التي أدّت إلى إيجاد الإنسان، ومن ثم الدخول إلى جوهره، والتفكّر في الغايات التي أسكنتهما في مواقعهما، حيث المسافة ليست ببعيدة، والسير إليهما لا يؤدي إلى إنهاك أو خوار للقوى المادية، بكونها عملية لا مادية، تقتضي منّا فقط إغماض عيني النظر، وإغلاق أذني السمع اللتين تعتبران أدوات عين العقل وعين القلب.

تلكم العينان الحقيقيتان اللتان إن تمتع بهما الإنسان أخذتاه إلى عالم يتحول فيه الأمل والتأمّل إلى علم، يأخذ بنا لتحليل نتاج العمل، واختبار جودته، فإذا رآه الآخر قال عنه بأننا عملنا بعين العقل.

فعيْنا الوجه الإنساني المنظومتان بدقة التناظر ما هما إلا آلتا تصوير لا أكثر ولا أقلّ، تنقلان الصور والمشاهدات، والحركات، والأفعال الخارجية إلى عين العقل وعين القلب، وليستا مسؤولتين عن التحليل، والدليل أن أيّ خطأ يرتكبه الإنسان لا يوجّه فيه الاتهام إلى العينين الظاهرتين في الوجه؛ إنما إلى عين العقل وعين القلب، بحكم أن الفؤاد يرى، والحكمة التي تسكن العقل ترى، ومعهما وبينهما تجري العمليات الدقيقة في التحليل والانتباه، من أجل إدراك المحيط، وتوجيه الفعل والأفعال الإرادية إلى الاتجاهات الصحيحة،

فإذا كان حاملهما متمتعاً بالبصيرة استطاع فرز الأشياء والتعامل معها بالحكمة المعرفيّة والفهم العلمي الدقيق؛ المؤديين إلى إظهار منجز عملية التطور؛ التي لا تعطي ثمارها إلا إذا كان النتاج جيداً ومبهراً وجذاباً وحقيقياً، وكل هذا نتاج توافق العقل والقلب، فهل حقيقة أن القلب يرى، وللعقل عين تفعل وتعمل؟ .

متى نستخدم عين العقل ونثني عليها، وهل لدى العقل عينٌ يتحكّم بها كي يرى جوهر الأشياء لا ظاهرها المرئي من عين النظر، أم هي استعارة نطلقها على العقل مغلفة بالحكمة، بغاية الاقتراب قدر الإمكان من دقة الفعل، والوصول إلى الهدف بأقصر الطرق، حيث تتشابه مع عين الكلّي الذي يرانا بعينه المستعارة ؟.

وأؤكد أن للعقل عيناً، فعندما تغمض عينيك أسألك: كيف، وبماذا ترى عقلك وقلبك وكامل مكوناتك الداخلية؟ هل حاولت أن تفعل هذا، وأيضاً، كيف ترى وتتخيل ماذا يجري حولك، وعلى أرضك، وتحت سمائك، كيف ترى وأنت مغمض العينين، ألا يتم هذا بعيني القلب والعقل، وهل كان للخيال والتخيّل والحلم والأحلام وجود بدون تلك العينين،

من خلال نقاشنا مع الآخر – طبعاً الإنسان- لحظة أن نقول له: فعلت بعين العقل وأبصرت بفؤاد القلب، والفؤاد هو عين القلب، ذلك الغشاء الرقيق الذي يغلف القلب ونبضه، ولماذا نقول: أعمى القلب لحظة كسرنا للأشياء أو عدم تقدير قيمتها، وبماذا نبصر ونستبصر الأشياء، وماذا يعني لنا الحدس والحواس المضافة إلى الحواس المادية، أي: الحاسة العاقلة والحاسة الناطقة، ومتى نهلع ونرتجف خوفاً من الخطيئة التي نرتكبها، ودقة معرفتنا التي ترتبط بنبض القلب وتوهان العقل وشروده؛ الذي يريد قوة فعل الخطأ المرتكب، وحيث يتابع أدق تفاصيله.

إنني أعتقد جازماً أنه لا يمكن لأيٍّ كان فصْل العقل عن القلب، وأدعو المنادين بفصلهما للتدقيق في معانيهم، بكون القلب حاضنة الرؤى لعملية الإيمان، والحبّ، والأعمال، والأفعال، والتي تحتاج إلى تأكيد وتصديق ومباركة من العقل، وإلا كيف نفسِّر معنى ما وقر في القلب وصدقه العقل، وحكم عليه أثناء تحويله إلى فعل وعمل، وبشكل أدق: العقل يجسِّد التجربة العلمية وانتظام المكونات، والقلب يشكل النبضة الدافعة لتحريكها وتشغيلها،

أي أن الأول: وأقصد العقل تسكن به المادة على شكل خطّ مستقيم، والثاني التردد الجيبي مربعي أو مثلثي، أي الروح اللازمة لإحداث الحركة والمسير، كما الوسائط بكامل تنوعاتها تحتاج إلى الروح المشغلة أو النبضة، كي تسير، وبدون النبضة لا حياة ولا حركة ولا عمل، لذلك ومنه أدعوكم للتجوال الدائم بين العقل والقلب، وفهم العروة الوثقى التي لا انفصال لها، فإذا حدث انتهى كلُّ شيء .

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …