أهداف التنمية المستدامة والقطاع الخاص

عالمياً لم تعد مشاركة القطاع الخاص في تحقيق أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة ووافقت عليها أغلب دول العالم أمراً ثانوياً أو ترفياً أو مكمّلاً بل أصبح القطاع الخاص وفي أغلب دول العالم الحامل الأساسي للنمو الاقتصادي والداعم الأكبر لأهداف الاستدامة.

وفي سورية وبعد عودة التعافي والانتعاش للاقتصاد السوري سيكون للقطاع الخاص دوراً جديداً في التشاركية يمكن أن تكون نموذجاً فريداً لدول عديدة.

وهذا ينبع من حاجة وأهمية، (والحاجة دوماً هي أم الاختراع كما يُقال).

كثيرةً هي الأرقام التي تتحدث عن مشاركة القطاع الخاص والمقدرة بثلثي الناتج المحلي السوري هذا من حيث النسب، أما من حيث القيم المضافة فهي لا ترقى أبداً لإمكانيات هذا القطاع وقدراته الكامنة ولا لإمكانيات الاقتصاد السوري أصلاً.

اليوم عادت عجلة الإنتاج والاستثمار والتجارة بنسب جيدة، إلا أن عملية إعادة الاعمار وخلق القيم المضافة تستدعي استثماراً أمثل للموارد وتحقيقاً أكبر للكفاءة الإنتاجية ورفعاً أعلى لمعدل العائد على الاستثمار.

وهنا تأتي أهمية ريادة الأعمال والتقانة والإنتاجية والإبداع وهي أمور أصبحت في صلب معادلة النمو الاقتصادي الجديدة التي لم يعد لتراكم رأس المال الحصة الأكبر مقابل أهمية مضاعف الاستثمار الريادي.

لقد أضحى دور القطاع الخاص السوي مهماً جداً في توطين أهداف التنمية المستدامة التي أصبحت اليوم حاجة ملحة لإعادة ما تضرر بفعل الأزمة من تدهور للأراضي، وتزايد لمعدلات الفقر، وتضاؤل للعمل اللائق، وتراجع لجودة خدمات التعليم والصحة والمياه والسكن والطاقة وهي تشكل محاور عديدة من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر.

لم يعد الاقتصاد والابتكار بعيداً عن أهداف الاستدامة بل أصبح في صلبها لذلك فإن القطاع الخاص السوري بحكم اعتماده بأكثر من 97% على المشروعات والشركات والمؤسسات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فإن أهمية دعم هذا النوع من الاستثمار وجعله أكثر ريادية وابتكار وإبداع لخلق أكبر القيم المضافة يأتي في أولويات النهج الاقتصادي الجديد لما بعد الأزمة.

أما فيما يتعلق بالبيئة التشريعية فهي لا تشكل العائق الأكبر في وجه القطاع الخاص بل تتمثل المشكلة في آليات التطبيق ومستويات المرونة وتكلفة الزمن.

ولا يمكن اليوم فصل أهداف التنمية المستدامة عن أهداف التنمية وإعادة الاعمار. فإعادة هيكلة المؤسسات الحكومية ضمن برنامج الإصلاح الإداري تتقاطع مع أهداف السلام والعدل والمؤسسات القوية.

أما برامج إعادة الاعمار المستمرة فتتقاطع مع أهداف المدن والمجتمعات المحلية المستدامة وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف.

وبرامج دعم العمل الاقتصادي التجاري والصناعي وبشكل خاص المشروعات الصغيرة والمتوسطة فإنها تتقاطع أيضاً مع أهداف الصناعة والابتكار والعمل اللائق والنمو الاقتصادي والاستهلاك والإنتاج.

في حين أن جهود المبادرات التنموية والجمعيات الخيرية وأعمال المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص وجهود الجهات الحكومية المعنية تتقاطع مع باقي أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والمتمثلة في القضاء على الفقر والجوع وضمان جودة الصحة والتعليم وأيضاً الطاقة والمياه النظيفة والقائمة تطول …

وهنا يمكن أن نجزم أن أي تحقيق لأهداف التنمية المستدامة هو خطوة مهمة في اتجاه تعزيز برامج التجديد وإعادة الاعمار إلا أن العكس قد لا يبدو مؤكداً إذا لم يتم مراعاة الأهداف المستدامة للتنمية ضمن أولويات أي عملية بناءٍ جديدة وإصلاحٍ مستهدف واعمارٍ مخطط.

لسورية اليوم فرصة ذهبية (بعد أزمة مؤلمة وقاسية) لتشكيل نموذج اقتصادي وتنموي جديد يعتمد على قاعدة (مرور العمل الفردي والخاص في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية بدون أي استثناء، إما مبادرةً أو مشاركةً أو تشاركية أو توظيفاً واستثماراً) وعلى (قاعدة إعطاء المهمة  لمن يستطيع أدائها بأكبر قدر من الكفاءة والفاعلية بغض النظر عن الملكية أو العائدية).

 

كتبه: د. عامر خربوطلي

 

 

 

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …