رغم عدم وجود نموذج وحيد بالمطلق لاقتصاد السوق، وإنما نماذج متعددة تتفاوت فيها درجة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية إلا أن اقتصاد السوق يمكن التعبير عنه بعملية توزيع موارد الاقتصاد الوطني عبر جهاز السعر الذي تفرضه قوى العرض والطلب في مناخ تحكمه المنافسة الكاملة.
ومن هذا المنطلق فإن اقتصاد السوق هو النقيض المباشر لاقتصاد التخطيط المركزي الذي يعتمد الأوامر الإدارية المباشرة في تحديد الأسعار، حيث يترك اقتصاد السوق الحرية للأفراد والمشروعات للعمل في إطار قواعد عامة تضعها الدولة وتنظمها باتجاه الاستفادة القصوى من إمكانيات القطاع الخاص، فنظام السوق من خلال آلية السعر يؤدي إلى تحقيق نقطة الكفاءة القصوى في استخدام الموارد النادرة للاقتصاد من خلال التعادل الحدي للأسعار والنفقات.
بما أن السعر هو الذي يوجه الإنتاج ، وهو الذي يحدد أنواعه وكمياته تبعاً لتغيرات السعر بالزيادة أو النقصان، ومن خلال ذلك يسترشد المنظمون بارتفاع سعر سلعة (أو خدمة) ما في التوسع في إنتاجها، وبانخفاض سعرها في الحد من إنتاجها.
كما أن نظام الأسعار ينظم توزيع السلع والخدمات على المستهلكين، إذ أنه مادامت كميات السلع والخدمات محدودة، ومطالب الإنسان غير محدودة، فلا مناص من قيام نظام الأسعار ليكون قيداً يحد من الاستهلاك.
ولا يقتصر دور نظام الأسعار على توجيه الإنتاج، وتنظيم توزيع السلع والخدمات، بل إنه يتعداه إلى تحقيق التوازن بين حجم الإنتاج وحجم الاستهلاك، إذ أن السعر عند وضع التوازن في السوق يحقق التعادل بين الكمية المنتجة “المعروضة” والكمية المستهلكة “المطلوبة” أي التعادل بين العرض والطلب على السلع.
إن اقتصاد السوق لا يعني مطلقاً تحرراً كاملاً من الضوابط والقواعد والتداخلات الحكومية لأن ذلك غير موجود أصلاً حتى في أكثر الدول تحرراً، بل إن تدخل الدولة ينبغي أن يكون ضرورياً، حين يتعارض السوق مع مصالح المجتمع وبخاصة عند وجود منافسة غير عادلة أو احتكارية، كما أن للدولة دوراً مهماً في وضع السياسات المالية والنقدية والاقتصادية التي تضمن للقطاع الخاص العمل بكل حرية وكفاءة.
ويأتي في طليعة القواعد المطلوب وضعها، لكي يعمل اقتصاد السوق بأكبر قدر من الكفاءة وجود حالة من المنافسة الكاملة في السوق أي ضمان وجود عدد كبير من البائعين والمشترين وتجانس المنتج وحرية الدخول إلى الصناعة والخدمات بالإضافة إلى توفر الشرطين التاليين:
معرفة المتعاملين بالسلعة بالظروف السائدة في السوق – حرية تنقل الموارد الإنتاج.
كتبه: د. عامر خربوطلي