بناية الله

طبعاً أنت أيها الإنسان المقصود في هذا العنوان، انظر إلى نفسك وتأمّل ما في داخلك، لتعلم أنه بناك ليسكن فيك، وشكّلك هندسياً فبدأ بك إنشاءً، حيث صاغ هيكلك العظمي، وأعمرك فأخذت الشكل المعماري، واختبرك ميكانيكياً لتنجح حركاتك، وأنارك كهربائياً، وأطلقك ذرياً فعملت إلكترونياً، من خلال امتلاكك للنواة:نيترون وبروتون وإلكترون، وكساك بشكل مدني فأصبحت مدنياً:

رأسك طابق التأمل والتفكر والرؤية والاختيار،

وصدرك طابق الاستقبال مركز النبض والفعل والانفعال،

وإلى جانبيك يدان،

وخصرك طابق المعيشة وعمليات الهضم والطعام والماء؛ كي تقوى وتتقوّى على الحياة،

ووسطك هو الطابق الأرضي الذي فيه عمليات الصرف الصحي والإنجاب،

والقبو المالك للأساسات،

قدماك وما عليهما مجتمع كامل في بدن وجلد ناعم دقيق، لتأخذ الشكل المدني،

انظر إلى نفسك، ألست عمارة مدنية هندسية رائعة الإنجاز!،

أنجزك ووضع فيك القلب والعقل، وصاغ البدن كي يسكن فيك، فكيف بك تخرجه من داخلك لتبحث عنه وتهيم على وجهك، تتضرع تارة خائفاً خاشعاً، وتارة عنيداً متبجحاً ومجحفاً تارة أخرى، فتنشأ قوة بين كلِّ ذلك، تتفاعل فيها الهواجس والأفكار، متنقلة بين المعرفة وعدمها، بين الكفر والإيمان والهمة والكسل، وسهولة تقبل أي قادم فكري:سلبي أم إيجابي، وكلّ ذلك نتيجة لنشوء الفراغ الروحي .

انظر بعد أن صاغك ونفخ فيك من روحه،أي:دخل فيك وأطلقك لتستعمر الأرض، بمعنى أن تعمرها، فهو بناك كي تبني وتشتغل وتنجز بناءك، من الأرض استخدم الماء والتراب وعجنك، وأخرج شكلك، وقال لك بعد أن سكنك بروحه:هيا اعمل وأنا بداخلك أراقب عملك، فلماذا تحاول أن تخرجه منك، والكثير الكثير أخْرَجَه لشدةِ ضيقِ صدرِه، فأصبح وأمسى بدون الله شيئاً كان به لا شيء، وأخذ يبحث عنه في المحيط الأعلى تارة، والأسفل تارة أخرى، وعندما يفرغ الشيء من روح الله تسكنه أرواح مختلفة، كروح الشرِّ، والخبث، والضغينة، والعداوة، والحسد، والبغي، والمنكر، والتسلّط ، وهذا واقع خارج إطار قضايا التأمل، فهو سكنك لتعود وتسكنه، ورافقك لتكون رفيقه، وبناك من أجل أن تبني له. انظر معنى “وفي أنفسكم أفلا تبصرون”، ومعنى ” إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ” .

ما معنى هذا ؟ يعنى أنه بداخلك، ويساعدك ويلهمك ويقرئك ما لا تقرأ، ويعلّمك ما لا تعلم، فكيف بك تُخرجه من سكنه الذي هو أنت سكنُهُ، هل تفكرت بما سيحصل لك عندما تبعده عن عمارته؛ التي بدونه أنت خراب؟، انظر إلى مسكنك الذي أنت تسكن فيه، ألست أنت روحه، وأنت ربّه ( فِلمَ يقال لك ربّ المنزل ) إن غادرته ماذا يحصل له، ألا تسكنه الحشرات والغبار؟، ويصبح قديماً متهالكاً على الرغم من جمال منظره الخارجي؛ الذي ينهار رويداً رويداً.. تأمّل ذلك .

طبعاً في هذا الشرح نحاول أن نتحدث عنك من خلال علم البنيان، أي: هندسة الخلق الإنساني، والتي حوت كل أنواع الهندسة التي ذكرتها، بالإضافة إلى الهندسة الوراثية والجينية، وما سيُكتشف بك بعد ذلك، وفي ما سيأتي من الزمن، ومعك، ومن خلالك أيها الإنسان العظيم النشأة، فأين أنت منك، ومن ذاتك، ومن عمقك، هل تريد أن تتطور حقاً، كيف ؟،

تأمّل ذاتك، قف إلى مرآتك، وانظر إلى شكلك، واخترق بدنك، حاول أن ترى خلف عينيك، وعمق أذنيك وارتباطهما بلسانك وشفتيك، ادخل من فمك مع طعامك وشرابك، وتسلّل من أنفك عبر هواء حياتك، تجوّل في عقلك عبر طرقه المديدة، واسبح مع دمك في شرايينك، ثم اخرج، وعُدْ وتفكر في إنجابك، وكيف أنك تصنع وليداً في داخلك، ثم اخرج وتفكّر في حياتك ومسيرتها، تأمّل محيطك:نباتاً وجماداً وحيواناً، تأمّل جنسك، اخط ُ الخطوة الأولى، حاول أن لا تخرج من جلدك، عُدْ إلى داخلك تصالح معه، لتجد أن الله عاد إلى بنائه، يرشدك فلا تخطئ، ويلهمك فتنجز، ويساعدك على الحياة فتساعد الحياة على الاستمرار .

اعمل على أن يبقى بداخلك توحَّد معه، من خلال تصالحك مع ذاتك، تأكد من أنه إذا غادرك عشت فراغاً قاتلاً ومميتاً على شكل الانهيارات، وإن أحببت إسكانه فيك عمّرت وأعمرت وعملت حسناً، بكونه رقيبك، ومرشدك، وحبيبك لأنك أنت حبيبه، فما أجمل أن يكون المحبُّ في الحبيب حبيباً، وما أحسن المصنوع في الصانع قبل ظهور الصنيع، هو هكذا وحدة متكاملة بك ومعك، فكيف أنت تكون بدونه، هل تعتقد أنك بدونه تكون؟.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …