الضدّ

لا يُظهِر حسنَه أو قبحه إلاّ الضدّ، ومن دونه ليس للحياة طعم ومعنى، حيث اتخذ شكل النقيض، والمسار الثنائي الذي لا يلتقي معه، أو يتعاكس كطرفي الذهاب والإياب.كلّ ذلك من أجل حدوث الرؤية بين الفرد والآخر، والبعض والكلّ، ولو أنّ الحياة وُجدت باتجاه واحد لذهبت مرة واحدة إلى النهاية؛ لكنّ وجود الضدّ والتضاد أعطى لها معنى الحيوات الكامن فيها حيوية حبِّ الوجود، والصراع من أجلها، ومنه كان سبب وجود الشرِّ مقابل الخير، والكفر مقابل الإيمان، والردع في مواجهة العدوان، والقانون لكشف الزور والبهتان واعتراض الخطأ؛ أي وقوف الحق وثورات التصحيح والتطوير والتحديث مقابل الأخطاء، ماذا يعني لنا وجود الضدّ، وما الغاية من حقيقة وجوده كمتلازمة أزلية؟.

موجود في الجمال، كأن تقول: هذا أجمل من هذا، وأيضاً في القبح، حيث يوجد أقبح منه مهما تصوّرناه جميلاً أو قبيحاً، فشيطان التضاد موجود من أجل إفقاد الأشياء المادية والروحية جمالها، ودعوته الدائمة بأنّ هناك ما هو أجمل، حينما تغترُّ الأشياء بجمالها، وأيضاً لحظة انتحاب القبح، يظهر له قائلاً: انظر فذلك أقبح، هنا يتحوّل القبح الطبيعي، أمام قبح القبيح، إلى جمال، والجمال الصنعي إلى دون، أمام الجمال الطبيعي؛ أي أنّ القاعدة تقول:مهما بلغ الجمال فهناك الأجمل، ومهما بلغ القبح فهناك الأقبح، والسؤال الذي يفرض حضوره بقوة: لماذا وجود الضدّ غير المعروف، الذي لا يمتلك معرفة أسباب وجوده كضدٍّ للضدّ دون دراية أو امتلاك للمعلومات؟

هذا يقودنا إلى البحث في ماهية أن يكون هناك ضدّ مجهول يشتغل دون أن تعرفه الأشياء المادية والروحية، وغايته أن يكون ضدّه بأيّ شيء:فكرة – عمل – إنجاز – إبداع ـ نجاح، وهنا تظهر صعوبة تقييمه والبحث في ماهية أسباب وجوده ضمن لغة «لماذا هو ضدك، وضده، وضدها، وضدي، وضدنا جميعاً».

أنت مع من؟ وأنت ضدّ من؟ وإني أقارب بين الضدّين، فأصْل الضدّ ضدٌّ؛ أي المنع والتحريم أو التجريم، فالصاروخ ضدّ الدبابة، والماء ضدّ النار، والشيطان ضدّ الإنسان، والنجاح ضدّ الفشل، والحبّ ضدّ الكراهية، والوفاء ضدّ الخيانة، والسالب ضدّ الموجب، فهل الشيطان الذي خاطب الإله بأن يمهله إلى يوم يبعثون هو إنسان آخر يحمل شكل الضدّ، وهل الضدّ يعمل ويفعل بغاية تطوير الأشياء أم بغاية تدميرها؟ وبشكل أدق:هل يستحقّ أن نُطلق عليه مصطلح الخير أو الشر في لحظة حضوره كضدّ، حيث يشكل دافعة ورافعة إلى الأعلى أم إلى الأسفل؟.

لماذا أنت ضدّ الآخر؟ وكثيراً ما نستخدم لغة الضد بدلاً من الكراهية، فقد تقول: إنني لا أكرهه ولكنني ضدّه؛ أي أنك على النقيض من فكره، وفعله، وسلوكه، وتصرفاته.

فماذا يعني لك، ولي، وله، ولها، ولنا جميعاً كلّ هذا؟ وهل يمكن أن تكون في الضدّ محبّاً أو كارهاً، وما معنى ضرورة أو حقيقة وجود الضدّ، وكم هي الحاجة ملحة إلى أسباب وجوده؛ أي وجودنا، وفي حياتنا الزمنية بمراحلها، وأوقاتها، ولحظاتها، وما مدى الإيمان به حقيقةً من حقائق استمرار الحياة ؟.

والغاية التطوّر بشكل دائم، لنتخيّل أنه ليس هناك طعم للحياة، وماذا يعني العمل المفتقد لتقيم قوة الاندفاع؟ فمن دونه ـ كما أعتقد وتعتقدون معي ـ ينتهي الطموح، ويظهر الاستبداد، لأنّه يأخذ شكل المصلح، على الرغم من أنّ لباسه من لباس الشيطان المسكون فيه، فحقيقة الضدّ واقعة لا محالة، ولا يمكننا الاعتراض على ماهيّة وجودها.

ومما أسلفت فإنّ لكلّ شيء ضداً، فإذا اخترق الفكر، إما أن يطوّره بحسب درجات الوعي، وإما أن يأخذ به إلى الفراغ، فحينما يقتنع المرء بأنه لا ضدَّ له، ويملؤه شعور الأنا والفخر، وأنه لا نظير له ولا كفء، فهو منتهٍ لا محالة، ومن الممكن أن يكون الضدّ عوناً أثناء البحث عن الخطأ، بكونه ضدَّه، رغم عدم اجتماعه بالآخر، فهو يسير على شاكلة الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان أبداً إلا بإذن الله، فإذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ أي أنّ اجتماع الضدّين واتفاقهما يعني حدوث الكارثة وهو نهاية كلِّ شيء.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …