الصراع

يحدث من أجل ماذا، ولماذا، بين من يجوع ومن يشبع، ومن هو جشع، ومن يقاوم الجشع، بين الغاصب والمغتصب بين المستعمر والمستعمر بين الكيان والدولة.

تأملات أُسقطها على مفردات إنسانية أَطلِقوا عليها ما شئتم، فهو يحتاج  الحديث عنه، لذلك يظهر على شفاه الآخر المتسلط أمام الحقيقي والبسيط ، يتمتم بها بين الفينة والأخرى،

أي: بين ظهور الإنسان واختفائه، يتحدث عنها لأنها تختلف عن النزاع، ولذلك اخترته عنواناً لحواريتنا هذه، بكونه يحكم الكون، وأحد أهم أسباب جوهر وجوده،

وأياً كان شكله؛ بدءاً من نموّه في داخل العقل، وعلاقته مع الذات، وتفاعله حياتياً مع الآخر من جنسه، أو باقي الموجودات الحيّة والجامدة، أو مع اللامرئي،

وكيفما كان حضوره من خلال مؤثراته ومنعكساته فسيؤدي إلى نهاية حتمية، تظهر منها دلادات جديدة: سلبية أم إيجابية، ترسم ملامح المستقبل القادم .

نعم إنه يبدأ من أجل ذلك العلوّ الشاهق، يتجسّد في جسد تلك الطاحونة الإنسانية النهمة؛ التي إن دارت تقبلت طحن كلِّ الأشياء المادية، وكي ترتسم صور القلق النابع من الجشع؛ ضمن لغة:” أريد وأريد كلَّ شيء” إلى أن تكتمل دورة الصراع، فنعلم أننا نمتلك شيئاً يسيطر على كل تلك الأشياء التي نتصارع من أجلها، أو معها، وحولها، ننسبها ونستودعها تحت مسمّى الخوف من عدم الحصول، والذي يؤدي بنا إلى الدخول في السراديب المظلمة.

صعبٌ وقاسٍ ومريرٌ في الحرب من أجل الممتلكات والأرض والجمع، لكن أشدّه مع المرض والثبات، أو السعي للوصول إلى امتلاك قوة مقاومته، فأيّ صراع تتجلى صعوبته بين الإنسان وضدّه في مدى الإيمان بضرورة امتلاك مقاومة نوعية علمية وفهمية ومعرفية،

فإذا وصل إلى معارفها، وعرف طريق معارجها تمنّى حينها أن يصارع الأقوى أياً كان: فهداً، أو ثعباناً مؤلماً، أو لدغة عقرب قاتلة، أو قوة غاشمة متسلّطة،

حيث لا حزن بعد ذلك، وأما الانتهاء من الحياة، وحتى على مستوى الفرد الواحد؛ لو تخيلنا أنه موجود بمفرده لأنشأ صراع الوحدة، لأنه ظاهرة إنسانية تعيش بين المظهر والجوهر، وبهذا تتجلّى صورة الوجود الطبيعي الساكن في الطبيعة الإنسانية .

يتغير الصراع ومؤخر في آن، فعند العاقل هو إقدام من أجل تحقيق الفوز، والانتصار من أجل منع الهزيمة أو تجاوزها، وفي ذات الوقت معرقِل ومؤخِّر، ففيه تكمن أدوات تعطيل وتحقيق كامل الآمال والأحلام، ولذلك نقول عنه: إنه أحد أهم الدوافع لتحقيق القوة النفسية؛ التي تؤهل إلى الإقدام شريطة امتلاك المعرفة العلمية، كي لا يغدو سلبياً ومتعرقلاً بدونها .

يتجلّى الصراع بين الضعفاء بالإجمال العام، لعلاقته بالأفراد والمجتمعات والشعوب، كما يظهر أيضاً بين العالم والمستوعب للعلم والضعيف علمياً، وبين المستبد والمصرّ على المواقف السلبية.

من كل ذلك نجد أن فلسفة التكوين الفكري ترفض الصراع، بكونها تدعو إلى ترتيب العقل؛ بينما الفوضى الفكرية تُحدث الصراع، وتدعو إليه، وهذا ما يؤدي إلى تخريب الفكر الإنساني والقضاء على الإبداع .

سؤال هل يتصارع الراعي مع راعٍ آخر، أم يتصارع مع الرعية، وبشكل أدق: هل يحدث ذلك بين العمودي والأفقي، بين القائم والمسطح، بين الفرد والجماعة، أم بين الجماعة والجماعة، أم لحظة تبادل لعبة الكراسي “الأدوار”،

وهل يتدخل السمو والترفّع في الصراع؛ كي يحوِّل الدوافع السلبية إلى تمثيل بياني إيجابي، أم أن مصاعب الحياة والضغوط النفسية الفردية والجماعية، وطموح تحقيق العدالة، والافتقار إليها، وعدم رؤيتها متحققة بين السواد الأعظم تتحقق بها موجدة أحداث الصراع، متى، وأين، وكيف يحدث هذا الصراع ؟

أي: أن السلم الأخلاقي الذي أوجد جمل السلوك الإنساني؛ الذي يدعو الإنسان للصعود إليه حينما يشاهد اختلاف تقييم درجاته، وغير منطقية تبادل الأدوار، وعدم وجود فهم العلمية والمنطقية على درجات الحضور، عندئذ يولد الصراع والتعدي والاغتصاب والاستغلال، القوي يصارع القوي بقوة الأقوى، بينما الضعيف يحتاج للصراع، بكونه ينافس على حاجته في المكان والزمان،

وحينما نتفكر في ذلك نجد أن ضعف الضعيف وحاجته للزمان والمكان يربكه، مما يؤدي إلى تجييش آليات الصراع في العقل الساكن، والاندفاع إلى القتال من أجل إثبات الوجود، بينما القوي يشاهد ويراقب حدوث كل ذلك، وفي الكثير من الأوقات هو من يُشعل فتيله .

الحاجة لتملّك الأشياء المادية تنشئ أسباب حدوث الصراع: الأرض- المادة – الروح، أي الصراع المذهبي، الطائفي الديني بأبعاده الثلاثية، سباعية المخارج والمداخل،

أي أن طاقة التكوين تخضع لصراع المكنيزي الروحي إن لم يتحول إلى فهم النبضة الالكترونية ومنه تظهر نظرية الاثنى عشرية أي السنة ومضاعفاتها حتى تبلغ البضع والسبعين، والوضعية والثقافية والتخيلية أمثال: البوذية والهندوسية والوجودية، ونظريات المادية الجدلية مبدعة نظرية الصدفة؛ المبتعدة عن الحادثة العلمية لانفجار الكون وتشكله، والفتق والرتق وحدوثه، والخلق في السبع،

حيث الاستراحة بعد التعب، كل ذلك مسببات وجود الصراع، وأساسه الخالق والخلق والمخلوق، أي أبعاد الكون، والاختلاف على وجوده وأسباب وجوده، والقناعة أي الرضى وعدمه: الجشع، واقتسام الجوع والشبع .

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …