شاهدني

أشاهدك، كيف ستتحدّث عني، سأروي أسباب حدوث حديثك حين تتابعني ، لماذا، وماذا تريد منّي ومنه ومنّا، لماذا تتابعني وتتابعه، خوفاً ممّن، وعلى من ومن أجل من؟ لا أحتاج ذاك المقعد الموجود في المقدمة أياً كان موقعي، إن كنتُ حقيقة وأنت كذلك، يجذبنا الضوء إليه حينما نكون فنسمو، شريطة أن نعمل فعل الجودة والإنهاء، وختم الأشياء بحسنها، كي يراها الآخر بجمالها فيتحدث قائلاً: إنه فعل حسن، كما الخلق في التكوين الأول كان بمنحه في الأيام السبعة، وجميعه خلق حسن، فكيف تحوَّل من نور إلى نار بعد أن أصبحنا كثرة .

هي الحياة نتابعها معاً ضمن مساحة رؤيتنا التي تصل إليك، إليَّ، إليها، ضمن المدى المجدي، كي أرى وترى حجمها الطبيعي؛ الذي يؤدي لمعرفة أحجامنا الحقيقية عليها، ومواقعنا الدقيقة فيها، وبالتالي فهذا أنا الذي أسير عليها، تشاهد أبعادي، ولا أريدك أن تغالي في وصفك يا أيها الإنسان الغالي، وإلاّ وقعنا بين حالتي ضعف ومدِّ النظر الذي يرينا بعضنا استطالة أو تقزيماً،

فلا أحدنا سيطال النجوم ولا التحول إلى زاحف، أي لنرفض أنا وإياك حالة النفخ، وصور المسح والمسخ حينما نشاهد بعضنا، ولنلغي تحويل مفردات اللغة إلى بالونات، حيث يكفي أن يمسك ذاك القادم من بعيد بقشة رخوة لا بإبرة حتى يثقبها، فنطير كلانا إلى الفراغ، وينتهي عامل ثقته بنا، بينما نحن نتقوقع على ذاتنا في حالة بحث للخروج من دائرة الانحصار والأحلام الجوفاء، فلا نجحنا في هذا، والفشل كان حليفنا في كل ذاك.

شاهدني، قوِّم خطواتي، وقيِّم أفعالي وجهاً لوجه، لا تهمس بأذن أحد، لا تتابعني وتتبّعْ خطواتي وآثاري، لا تعمل في أجواء التشهير كي لا تسقط، قد تسقطني والحق سيسعفني، كيف ستشعر أمام سقوطك وسقوطي، أي ضمير تعمل، ما نوع الإرباك المنشود حصوله، واجهني مباشرة، واكتب عني حقيقة ما، لا ما تسمع، ولا ما يُهمس، تعرف أكثر عني من بعدي عنك، أبعد عنك إيمانك بما تؤمن، وخدمتك بمن وثقوا بك، كفرك وطغيانك كي لا أحزن في البدء، حيث سأضحك كثيراً على أحزانك،

فكلنا إن قبلنا النفخ تحولنا إلى هباء رمال، وغثاء بحر، سرعان ما ننكشف بين الضعفاء، وتحت مظلّة الأقوياء، ما هو مبتغاك؟ فأنا أراك، قد تنطلي عليَّ قصتك تدغدغني، وربما تخدعني أو أخدعك بقبول أحداث روايتك، قل لي من أنت، فهذا أنا، وإلى متى، وإلى أين، وإلى أيِّ مدى تريد أن يسير كلانا؛ إن قبلنا سياسة فنِّ النفخ، ونفض الغبار، ومسح الأحذية من خلف الأرجل وهي منتعلة بالأقدام.

حدثني حين تشاهدني، لست مضطراً للكذب ولا للحلف بأغلظ الإيمان، لا تخترع القصص الوهمية، لا تخفي البصقة كلّ صخور الوديان، تنكشف للقاصي والداني، يعلم حين يشاهدها أنَّ أحدنا مارس فنون الكذب والنفخ، وسقط منه شعور الوجدان، يأخذ الأحلام ويظهرها سقطاً بين الأقدام، ماذا أريد منك يا هذا حين تشاهدني وأشاهدك؟، فهذا أنت كما أنت، وأنا كما أنا، فماذا يعني لنا هو، وأيُّ معنى تحمله مفردات: نحن، وهم، وهنّ، وأولئك، واللائي.. قصة أحياء والعودة بصفاء الحب، لا من أجل نتق الجراح وتحريك مواضع الأحزان.

كم نحتاج لمشاهدة بعضنا ضمن مواقعنا الطبيعية، وأحجامنا الخلقية، وأعمالنا وأفعالنا الحقيقية دون زيادة أو نقصان، كم سنسعد ونُسعد ذاتنا ومحيطنا القريب والبعيد، وكم سيتحدث ذلك الغريب عنّا بأننا نستحق الوجود والحضور، وبالتالي يعترف بأننا نسير صعداً على مسار التقدم والتطور.

مشاهدات الحجوم بأبعادها لا يراها إلاّ المتأمِّل بها، أو الباحث عنها، صاحب الغاية منها، وأقصد: كي يحميها إن كانت تمتلك أفعال الصح، أو ينهيها ويجعلها مرآة يشاهد الآخر ذاته، فيرتدع ويصلح قبل أن يصطاده أو المحتاج للتزلف والتملق أمامها.

إن كنت أداة تأخير؟ فإنك لن تتحضّر.بكونك منفلت لن تتطور.. إن لم تتعلم أن البنيان وجود يحتمل الفرص طالما تمتعت الإخلاص والجودة والإنصاف، وأثناء ذلك لا بد أن يسقط السلبي ضمن دائرة الحسد، وينتهي بها ، تقدمْ وابحث عن فرصة تؤمن بها كي تجذبك إلى الأضواء، أشاهدك شاهدني حيث يمر من أحد ما يمتلك قوة القدرة على الاختيار، تنجح أو أنجح لا يهم، المهم أن تنجح فكره تحمي الإنسان من أخيه الإنسان.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …