المسُّ واللّمس

عنصرا تقدّمِ وتخلّفِ المجتمعات في آن، يجتمعان من أجل تكوين مقياس تطوِّر الفكر الإنساني لأيِّ فرد أو مجتمع أو أمة، فمنذ اللحظة الأولى لظهور الوليد من بني الإنسان على الحياة؛ يبدأ المؤشِّر بالعمل صعوداً أو هبوطاً، حيث ينبئ بعد حين عن نوعية الفكر القادم، ومقدار حجم حضوره، من خلال كلمتي ممنوع ومسموح، بكونهما أدوات اللّمس والمساس،
فمتى يحقّ لك أن تلمس أو تمسّ المحرّم والمقدّس، وأيضاً، ما معنى “ممنوع الاقتراب والتصوير” بالعين المجردة لا بالحواس المسؤولة عن القيام بتلك العملية، هل هي المسؤولة، وأقصد الحواس عن إنجاب الخوف، والتقوقع، والتقهقر، والانحصار، والامتناع، عن الإبداع؟،

ومن أبدع فلسفة الممنوع والمسموح، وإلامَ تؤدي تلك الأفكار،هل غايتها إحداث التخلّف الفكري؛ من خلال المسِّ به تحت ذريعة إحداث الخطأ والخطيئة، والوقوع في متاهاتهما، إذ يؤدي كلّ ذلك إلى حدوث المسِّ العقلي؛ الذي يؤدي لا إلى الجنون؛ بل إلى سيطرة ثقافة الخوف، والمحصلة إنهاء عملية الإبداع، والغاية منع التقدّم والتطوّر والبقاء تحت مسمّى إنسان، ومجتمع، ودولة، وأمة متخلفة أو نامية أو سائرة بالصعود من الدرجة الثالثة – وغير معروف إلى أين – أإلى الأعلى أم انحداراً إلى الأدنى، أليس كلّ ممنوع مرغوباً؟

وإلاّ كيف اختار طفلٌ الجمرة بدل التمرة، فحرق بعضاً من حواسِّ لسانه الذوقية بالمسِّ، كما أضعف حواسَّ أنامله باللّمس. كلُّ ذلك من أجل التحوّل إلى لا مادي يسكن الأزمان الثلاثة .

الثوابت، المعتقدات، الاتجاهات، كلمات مثل: ممنوع، قف، غير مسموح المسّ واللّمس والاقتراب والتصوير والاستكشاف والتأمل والبحث الحقيقي. والغاية ألاّ تتقدم، لا تتطور، لا تنجز، لا تبدع، لا تخترع، ابقَ ضمن حدود الفهم، إيّاك أن تتحوّل إلى عاهرٍ علمي، أو مثقف فاهم لكامل تلك المكوِّنات، فإذا حدث وتحوّلت أي: فهمت وعلمت وتعلمت، أنت زنديق وخارج عن القانون يُطلب وجودك حيّاً أو ميتاً دون نقاش،

فالقضية حينما تخضع للمساءلة من ذلك الذي سيسألك؛ اعلم أنه يمتلك مقصاً يقصُّ به، ثم يعدُّ ويحسب، فأسباب وجوده منع الإنسان من المسِّ واللّمس، وحجته الدائمة الخوف على الأشياء الثوابت الواجب الحفاظ عليها، والمطلوب فقط أن تنظر دون تفكير وبحث وتعلّم وتعليم .

كيف تنجب عوامل التقدم والتطور، أين نحن من الحرام والحلال؛ أي بين المسِّ واللّمس، والمسّ بمعناه الدقيق جزء من الجنون، ويقال عن صاحبه إنه ممسوس. وأنا أسير بين كلمات، أشرح المعنى الذي أبغي من حواريتي هذه الوصول إلى الأمام، فبدون القليل من المسِّ والعهر لا يحدث الإبداع المؤدي بالحتمية وصيرورة الحياة لحصول التطور، والصعود على سلّم الحياة، وإثبات الوجود، ودون ذلك يبقى المسير وهمياً غير مقنع، لا يمتلك الفعاليات ولفت الانتباه لما يحدث .

إن فلسفة منع المسِّ واللّمس تحتاج إلى إيمان، وفهم قيمة وقوّة الأشياء المادية واللامادية من حيث مسِّها أو لمسها، فإذا لم تتوفر مجموعة المعارف والمفاهيم، وشرح المفردات ومحتوى المصطلحات فكيف تمنع، ومنع ذاك الذي يمنع، وعندما نراقب الأطفال وهم يخاطرون دون وعيٍ بالمسِّ واللّمس لكافة الأشياء، والسؤال عنها وربما كسرها، والكفر بها دون وعي، ما هو دورنا؟، فإذا لم يكن هناك وعي، و واعٍ، ، وشرح، ومسّ ولمس، أي: ضدّ المنع والهمس؛ فالأجدر أن نكسر جميع الأشياء لعلنا من فقدها نبدأ من جديد .

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …