الوطن الأول

رحم يسكن كوكباً أرضياً ، تختص به الأنثى الأرض والمرأة ينتجان وطناً، لا يمكن لنا مهما غادرناهما أن يغادرا منا لأننا تشكلنا من رحميهما وعششنا فيهما، وبنينا كل الأحلام، لذلك هما متشابهان ولكن في الترتيب الأرض وبما أنها احتضَنَتنا أولاً نطلق عليها الوطن الأم، ولا نستطيع عقلياً أن نُطلق عليه وطن الأب،” على الرغم من أن الوطن في علم اللغة ذكر،
وفي الحقيقة الأرض أنثى، ومنه وعليه تتوطَّن المرجعية الدقيقة واللامتناهية في أبعاد الجذب، وفي ذات الوقت هي المسؤولة عن زراعة الحبِّ، والشوق، والحنين، والودّ وكامل مفردات اللقاء، والسعي الدائم للالتقاء ضمناً، وعناق دموع فرح قادمة من قوة الهجر والفراق.

الوطن الأول، رحم أنثى ورحمة رحمان، وعشق إنسان رحيم لحظة العودة إليه بعد الخروج منه، وبكاء ونحيب، أدعوكم سيداتي سادتي للتفكر به، بكونه يشاغلني يشاغلكم يشاغلنا جميعاً دائماً وأبداً، ونحن نعيش ضمن مثلث أبعاده أضلاعه أبعادنا أضلاعنا، الأم تحتاج الذكر، الأرض تنتظر الالتقاء بالسماء الذكر، معادلة أنجبتنا وأدخلتنا مجاهل الحياة، ولذلك دخلناها نبكي دموع مغادرة الوطن الأول .

مسيرة حافلة بالدموع والألم قسراً، ورضائية مرادة بالإرادة واللاإرادة، اختياراً وتسييراً تحت مسمّى المخيّر والمسيّر، ومبادئ الحبّ والعود إلى الحبيب الأوّل، ومهما حاولنا نسيانه لا يمكن لنا، بكوننا اخترقناه، فظهرنا عليه، وبما أن الأرض أنثى، وفي علم الحبِّ: الأنثى لا تنسى من اخترقها، وربما تتناسى من خلقها بحكم تأثّرها بإنجازاتها وإنجازاته، يعيش في ذاكرتها كما هي تعيش، وتتجول معه أينما حلَّ وإلى أين ارتحل، يحملها ذاكرة الولد المولود منها،
فهي جينة من جينات خريطة الإنسان الجسدية، وكامل المخلوقات الحيَّة، والتي مهما هاجرت من أوطانها وابتعدت تعُد إليه، فإن لم تعد عاد أبناؤها وأحفادها أو حتى أحفاد أحفادها، فالوطن الأول عجينة من ماء وتراب وهواء خاص ونادر، لا يمكن أن يتكرر في أيِّ وطن آخر.
جميع الإنسان له أوطان، وكلّ حسب منبته، وسقياه، ومطعمه، وملبسه، ونسبه، كذا الحيوان أيضاً بأجناسه الطائرة، والزاحفة، والدابة، والسابحة، والكل متجذر في وطنه الذي يتمترس في عقله الباطن؛ مهما تجوَّل على مسرح الحياة، أو تمتع بأيِّ دور فيها إلاّ اليهود الذين لم يستطيعوا أن ينتموا إلى وطن طيلة مسيرة حياتهم،
فإذا كانوا من قوم عابر فالبشرية جميعها عبرت من خلال حياتها إلى العيش في الأوطان، وإذا كانوا يهوداً فعليهم أن يعودوا وينوبوا ويهودوا إلى بارئهم، وحينها يعترفون أنهم جنس بشر ومواطنون، فسيجدون أنهم يمتلكون في كافة الأوطان وطناً لهم، حيث أن منبتهم كان ومازال وسيبقى على طرقات العبور، ومنهم كان نسبهم العبرانيين أي عابري المدن والبلدان والأوطان، فكيف بهم يستلبون أرضاً، ويطلقون عليها أنها وطنهم، فإذا كانوا مؤمنين بعبرانيّتهم فهم من أور سومر، وإذا آمنوا بأنهم يهود فهم ضلّوا في سيناء، وعليهم أن يهودوا إلى ربِّهم ووطنهم الأول،

وإذا كانوا غجراً فعليهم الرحيل إلى المجر، أما إن أدركوا ووعوا أن وطنهم الحقيقي هو أميركا فعليهم الرحيل إليها، فهي أمهم الرؤوم، وهناك تتجسَّد حقيقة التبادل فيما بينهم وبين الأرض التي اغتُصبت بالتشابه من الهنود، كما اغتُصبت فلسطين من الكنعانيين القوم الجبارين .
حينما يمتلك المرء وطناً ويمتلكه الوطن، أي: الوطن الأول، دون أيِّ وعد من الإله المحيط والمبصر في الاستعارة، إلاّ أن هذا الوليد هو من هذه الأرض التي ستغدو وطنه، ولم نرَ أيّ أمة وُعدت بوطن من الإله سوى اليهود! كيف يحدث هذا، ولماذا لم يعِد الإله الصينيين، أو الفرنسيين، أو النيجيريين، أو السوريين بوطن حلم أرض الميعاد، لماذا اختصَّهم وحدهم وأين؟، وسجّله لهم في كتابهم المقدس، كيف يحدث هذا؟ سؤال كبير أدعه لفكركم، بكوننا جميعاً نمتلك الوطن الأول ومتشبثين به حتى اللحظة، وإلى ما سيأتي من الزمن. ولندرس حالة اليهود ؟.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …