المدخل لفهم الحياة

لا بد من أن أحداً ما امتلك عقلاً متبصراً، ورؤية مديدة جداً، عمل على هذا العالم، ليكون كما هو عليه مذاك الزمن البعيد الموغل في القدم، وحتى اللحظة التي نحن بها عليه، وإلى ما سيأتي من الزمن المكون، والبحث عن ماهيته قاعدة منتهية لا تحتاج إلى إثبات التكوين، هو مدار بحثنا، وما تدور البشرية بعقلها السائر إلى الأمام، والخطا التي خطاها الإنسان المتسلسل مسيراً، هي التي تدعونا لدراسة خطواته، والتأمل في حركاته وسكناته، لماذا؟

والكشف عنه غدا ضرورة تدعونا إليه، فهل ورث من خَطَّط لهذه المسيرة خُطط من سبقونا، وبدقة أكثر، هل نحن في دورة حياتية تشبه دورة سبقتها، وحينما تنتهي هذه الدورة؛ هل ستعاد الكرة مما سنتركه لنوح القادم الجديد؟ حوار فكري أدعوكم للاطلاع عليه، ألا ينبغي علينا جميعاً أن نطرح السؤال المهم: أنه بعد مضي 1430 عاماً -بالتقويم الهجري- على ظهور الحضارة الإسلامية؛ بشخص نبيها محمد عليه السلام، و2009 أعوام -بالتقويم الميلادي- من نشأة الديانة المسيحية،

وحضور السيد المسيح حاملها، وثلاثة آلاف عام ونيِّف قبل وبعد الميلاد من ولادة موسى عليه السلام في مصر، وما يقرب من 4000 عام قبل وبعد الميلاد على ولادة أبرام في أور، وأكثر من 6000 عام قبل وبعد الميلاد على طوفان ونوح، ألا يدعونا كل ذلك للعودة إلى الوراء للنظر فيما أنجزه ذلك التاريخ الموغل في القدم، وما فعل به التأريخ البشري من تجميل وتشويه، أليس من الحق- والعقل غدا بهذا الحجم المتطور والكبير جداً كمنجب علمي هائل- أن نعود لدراسته وتحليله والتعمق فيه؟.

إن الاقتراب من اكتمال الدورة الحياتية التي نحياها، والواقعة بين الطوفانَين، وأقصد من طوفان نوح إلى البحث عن نوح المنقذ من الطوفان القادم الذي نسير إليه، ومع اتساع العقل، وذاكرته التي تمتلئ من خلال النشاط التاريخي المرافق لمسيرة الإنسان؛ الذي يؤرخ به تأريخاً لكل ما جرى معه، وحوله القريب والبعيد، نجد أننا مدعوون للحفاظ على المفاتيح التاريخية والتأريخية؛ كي نعود ونفتح بها ما أغلق، مدققين فيه بغاية نفض الغبار عنه، وإعادة ترتيبه وتهيئته للقادمين بعدنا، يتعبنا كثيراً، يؤرقنا، يقلقنا، وفي ذات الوقت به سعادة العارفين، وطلب الباحثين المتطلعين للتدقيق فيه،

من هنا نجد أن الدخول عليه، والبحث به هو بمثابة من ينشد السهل الممتنع، والوسط الجامع اللامع، فيعلم أنه سيسير بين الجبال، وإلى قممها، يخترق المهاد والوهاد، يصعد الجبال بألق، وينزل الوديان بقلق، يريد إذا اتكأنا ميمنة وميسرة سنداً جبلاً، لا يريد الانغماس في الترهات، ولا أن يبتلعه حوت البغاء، هكذا نسير نبحث في دورة الحياة، نتابع، نجري بها على مضمارها الأبدي، نسلم بعضنا مفاتيح الدخول إليها كي نستمر فيها، إليها نتسابق، نحب، نحيا، نؤمن نكفر، نعمل، ننجح نفشل، نبحث من وراء ذلك وأمامه ويمينه ويساره عن إيمان به أمان،

قصتنا قصة الحياة، تاريخنا نكتبه بأيدينا، يقرؤه الآخر بالحب والكراهية، محولاً إيانا إلى تأريخ؛ ينصفنا من بعضنا، نحن جنس البشر والإنسان، بكون بشر بدء شر، والإنسان يحتاج الأنس من الإنسان، ينجد بعضه حينما يحتاج النجدة، ولكن الحياة مركب يبحث طيلة خوضه في بحرها عن مرسى يرمي إليه مرساته، يستوطنه، أو يغادره، يبتلعه البحر حينما يغضب، يلطم شطآنه ليأخذ معه المرسى والمرساة، فلا سجِّل، ولا تدوين، ولا تاريخ، ولا تأريخ،

وإذا نجا منه المركب يظهر نوح جديد بعد طوفان؛ يتخيله المرء عظيماً وكبيراً، ينهي التاريخ ليبدأ معه رحلة تأريخ جديد من شرق جديد، ومعه تقاويم جديدة، لا ندري إن كانت ستنتقل منا إليهم، أو يكون لها إبداع جديد، وبما أننا نعتبر أن التقويم ضرورة من ضرورات الحياة، يرافق الأعداد والأرقام،

حيث يظهر معه الغنى العقلي الذي يقدم الأمم ويفرق بينها، وفي ذات الوقت، تحتاجه أيضاً كشكل حضاري من أشكالها، وفي كل محاورها العلمية التي امتلكتها أولاً، فقدمت منجزاتها لبعضها، وبما أن الإنسان مخلوق عقلي يمر من التاريخ، يصنع التأريخ، يرقمه، ويعده، ويضع عليه التقويم، فكان من كل ذلك إنساناً مقترباً من دقة صناعة الكون، ومتفهماً للمبدأ الكوني (كل شيء خلقناه بقدر).

أتفكر، فأرى أننا نحن الموجودات الحية لم نمارس أيَّ احتجاج في وجودنا الإنساني ضمن الموجود الطبيعي، ولم نضطر إلى تبادل التقديم؛ بكوننا تمتعنا بالعقل، حيث أفرز لنا معطيات معرفة الوجود، والرضا من ارتضائنا العقلي؛ الذي امتنعنا به، وبعدها تناسينا قوة حضوره كمعطاء ومنتقم على التمرد والأنا، ففقدنا جزءاً مهماً من إدراكنا لقيمته،

واعتبرنا أنه هكذا وجدنا وإياه فجأة دون مقدمات، فلمن نقدم ومن نحتاج إلى تقديم أنفسنا؟، لقد حاول شر الإنسان (شيطانه) أن يغيره، وأراد أن يذبح الإنسان ابنه وأخاه، فكانت فكرة الخير؛ الفداء بكبش عظيم، وبشكل أدق هي فكرة السلوك والأخلاق (الردع)، ولا تتم هذه الفكرة إلا بالخوف من شيء عظيم مجهول، وحاضر، وحافظ وأمين،

أيُّ فكرة هذه التي لمعت في عقل الإنسان القديم، وأيُّ صورة رسمها بعد أن عرف رسمه لذاك الرسام عظيم، وأي تقليد حاول أن يقلد الإنسان رسامه؟ فرسم وصوَّر ونحت وعمَّر، ولكنه لم يعمِّر، ولم يستطع أن يرسم إلهاً عظيماً على الرغم من كل محاولات إيمانه، ليبقى يبحث عنه في محيطه دون تفكر في الموجود حوله، ولم يدرك أنه معه، وبأنه نفخة من روحه الكلية التي ترفرف على وجه الأرض جميعها، حاول بكونه ابن المحاولة من تراكم بعيد أن يوجد الأسطورة القادمة من حقيقة تراكمية (راما الإنسان الهندي القديم) بتعاليمه الخيرة، وندرة وجود مثيل له،

ومع التراكم الزمني بعد رحيله حوَّله مجتمعه، وهو يستعيد ذكراه الخيرة التي يحملها بالتراكم إلى (إله)، فالأرض كبيرة مخيفة، وعليها تعيش مجمل عناصر الرهبة، كبر خياله رعباً، وهلعا،ً وتعلقا،ً وخوفاً، من أن يكبر شره، فابتدع آلهة أسطورية، اقترب بها من خيره الذي خاف أن يفقده،

وحقيقة الأمر، إنهم أسلاف خيرون عظام، بمرور الزمن وانحسارهم تحولت أسماؤهم المتداولة إلى شبه آلهة يقتدى بها، مثل بوذا الإنسان المتحول إلى إله، وكريشنا، وجوبيتر، وأثينا، وهدد، ورع، وآمون، وهبل، ومناةن وإساف، ونايلا، ودوار، ويغوث، وسواع، ونسر، وجميعها آلهة اعتمد عليها الإنسان قبل أن يطور عقله، ومع تطور العقل، وتطور فهم الجوهر، وظهور الفلسفة: أفلاطون، وأرسط،و وسقراط، وابن خلدون، ومن خلال كل هذا تتابع أضلاع مثلث النبوات موسى، وعيسى، ومحمد،

هدأ الاضطراب العقلي، حيث فهم من كل ذلك، واستوعب آليات الخير والشر، والغاية من كل ذلك، ومنذ ذلك الزمن الموغل في القدم؛ البحث في تطوير الخير، مع زيادة السيطرة، وتعزيز لغة أنا الفرد- المجتمع- الأمة- أنا الحضارة؛ والتي تكمن فيها الخطورة الكبرى التي لم تع أنها تتحول إلى شر، والشر مفيد في هذه اللغة، بكونه مهماً عظم تفرده، وتضخم الأنا في داخله، فإنه يتوغل فيها ينخرها، يدمرها، يحولها إلى رماد تذروه الرياح، لذلك ندخل، بعد أن نفتح مدخل التاريخ، لندقق فيه ونرى ما جرى به من تأريخ وهمي، وحقيقي، ومخلوط، ومنسوب، ومسروق، ومتعدى عليه، من خلال استعراضنا لمدن الروح والمادة.

إن أي مصنوع له صانع يفنى، والصانع إنسان يفنى، على الرغم من أنه مخلوق ينبغي عليه العلم أنه مخلوق عمري أي محدد، وكل مولود، أو مصنوع، أو مزروع، أو معمور له عمر يقيسه الزمن يفنى ضمن الزمان الكبير جداً، والمقياس اللانهائي للحركة والسكون، الموجودات هي وحدها تتطاول طولاً وعرضاً، تتقدم على مقياسها ومن ثم تنتهي وبعدها تفنى،

كذلك المجتمعات والأمم، تنجز حضارات على مقياس الزمن، تبقى الحضارات بشكل سالب أو موجب ويفنى موجدوها، المصنوع والصانع والمخلوق إلى فناء، هذا الذي أدى بالإنسان لأن يبحث عن البقاء مولداً أسئلة كثيرة، لماذا عمر الإنسان محدد متوسطه سبعون سنة، لماذا لا يستمر لمئتي عام أو إلى أكثر، وعمر الذباب عشرة أيام، والطيور والحيتان والنبات، لماذا لكل عمره، كما الآلة لها عمر حدده الإنسان، فهل هو الضمير الغائب الحاضر(هو) محدد؟،

كل ذلك وبما أنه الخليفة والمخلوف- والخير والشر- والعلوي والسفلي- والأمين والمأمون- والسليل والمسلول- والعاقل والمعقول- والجاهل والمجهول- والكائن والمكنون- والكاتب والمكتوب- والجاذب والمجذوب- والرائع والمنبوذ- والمحب والمكروه- والحاسد والمحسود- والباني والهادم- والمحارب والمسالم- والهادئ والصاخب- والسائر والواقف- والجالس والنائم، ثنائيات امتلكها، وحاول طيلة عمره أن يستثني واحدة منها كي يظهر في اللاشعور أنه دائم فلم يستطع، إلى أين ندخل ولماذا اخترنا هذه الأبواب السبعة،

أي مدن منابع الروح السبعة: أور التي أنجبت إبراهيم، ودمشق التي تحول بها بولس الرسول، وحمل المسيحية إلى العالم أجمع، والقدس مولد السيد المسيح، ومكة مولد محمد، وطيبة الفرعونية مولد موسى، وأثينا أفلاطون وأرسطو وسقراط، وروما المركز النهائي لإعلان المسيحية العالمية (وإنشاء دولة الفاتيكان)، وأيضاً منابع المادة من خلال عصور النهضة الثقافية التي أدت لتكوين الفكر؛ الذي هيأ للثورة الصناعية الكبرى في كل من: لندن- باريس- برلين- موسكو- وبعدها تنضم واشنطن- طوكيو- وبكين، كما أننا نتوقف مع الشرق وإشراقاته وشروقه، فهل هو المسؤول عن التكوين: الصعود والهبوط- البزوغ والأفول، ولماذا سبعة ضد سبعة؟.

المادة والروح، وصراع التضاد كالخطين المتوازيين لا يلتقيان إلا في نقطة السراب، أو المدى البعيد المنظور، والذي مهما حاولت أن تصل إليه لن تصله، أمم ظهرت واندثرت طالت وعرضت وتطاولت وبنت، إمبراطوريات هائلة ذرتها الرياح كما تذرو الرمال وجه الصحراء.

إن موروث الحضارات بعظمته وشموخه، ومخزونه المادي الهائل الخام، لم تستطع مدن الروح بعد أفول شرقها وحول الغروب الدائم عليها، وبداية شرق الغرب الفكري، وتأهله لقيادة الحضارات السابقة، وحاجته إلى موروثها وإرثها ومخزونها المادي بكونه لا يمتلكه، وحاجة طاقاتها لإنشاء حضارته المادية، وخلق فكر المستهلك والمنتج، وإنشاء خلايا الاستشراق بمضمونها البحث والتنقيب عن كل ما هو مادي ولا مادي، يفيد الغرب ولا يفيد الشرق، منابعه.

الإنسان والحضارات والخلود، والبحث عنه والفناء والهروب منه، قصة من قصص دورات الحضارات التي مرت بها مدن الروح، وتمر بها حتى اللحظة مدن المادة، وبما أن الإنسان لم يدرك حتى اللحظة أن عليه التصالح مابين مظهره وجوهره لنبذ الاختلاف أبداً مع الحياة، نجده يتعلق دائماً وأبداً بقضايا الأحلام والطموح، وتضخم الأنا، مع وجود حالة النسيان التي تجعل قواه تخور لبرهة من الزمن، ومن ثم تعطي قواه قوة الاستمرار، ومتابعة الحياة، كما أنها تقنعه بقدرة قيامته من جديد، وفي ذات الوقت، تمنحه التسلط والعصيان والتمرد والخلاف والاختلاف.

إن فهم الشرق والشروق، والغرب والغروب، ومدن الروح ومدن المادة، يهيئ لنا المدخل إلى هذا العالم المترامي الأطراف الذي غدا صغيراً جداً أمام اتساع العقل الهائل، فالكرة الأرضية والكون محيطها بكواكبه ونجومه، كانا أكبر من أي تخيل أو تفكير بهما، أصبحا اليوم ذرات في العقل الهائل الذي اتسع باتساع مدارك الإنسان الموجد والمبدع لوسائط الانتقال والاتصال فيما بينه وبينهم،
فثورة المعلومات المسموعةن والمقروءة، والمشاهدة، والمطبوعة مرئياً ولا مرئياً سلكياً ولا سلكياً أرضياً وفضائياً؛ أوجدت له حالة من التمرد على عقله بالرغم من استطاعته السيطرة عليه، ولو لم يكن كذلك؛ لكان الانفلات الذي لا يعرف حتى اللحظة أيُّ إنسان إذا حدث إلى أين سيأخذه،

كما أنه ضروري جداً العودة دائماً وأبداً إلى ذلك الموروث البعيد القريب، بكون ما ننجزه اليوم سيصبح موروثاً غداً، والتعرف على ثقافات الأمم والشعوب، وفهم فلسفاتها وإنجازاتها، وهي تبحث من قريب ومن بعيد عن تكوينها وتكونها وتكوين ما لم يتكون بعد، وغايتها وإيجاد شخصيتها المستقلة، والتي لم تستطع حتى اللحظة أي أمة من الاستمرار بها بمفردها، بكون الصعود إلى القمة سهل والصعوبة في البقاء عليها، هذا يؤكد ضرورة فهم وتفهم البشرية، لإيجاد آلية للتعاون، والخروج من الأنا إلى نحن البشر، نحن الإنسان، وبدون نحن لا نستطيع، ولن نستطيع الاستمرار.

كما أن حل التحديات القادمة من بعضنا، ومن الكوارث الطبيعية التي نعيشها يتطلب قبولنا لبعضنا، والتعمق في أسباب وجودنا، يأخذ بنا لمعرفة أننا قدمنا من بعضنا كسلسلة هندسية لا يمكنها الانفصال، وأيضاً من ثقافة واحدة، ثقافة الأول التي انتقلت إلى الثاني، فالثالث مع مضاف ومضاف إليه، فغدونا أمماً وشعوباً وقبائل نختلف ونتخالف من أجل الوصول للحقيقة التي لا مفر منها، وهي: أننا حلقات كبيرة أو صغيرة متلونة متجددين، وآثارنا باقية كقصص وأساطير الأقدمين التي نقتبس منها ونضيف عليها، مهذبين معتدين أو سارقين مارقين، يكشفنا الزمن، فنظهر آسفين أو غير ذلك.

نعم نتبادل الأدوار أو نستلمها من بعضنا، فلا ينبغي أن تلعن أمة سابقتها، بل لها الحق في التفتيش ،والبحث في سالبها وموجبها وممارساتها، بكونها انجلت أمام اتساع العقل الهائل الذي سكن الكون فيه، وأخذ يطالبه في البحث عنه.

إنني أدخل على مفاهيم قد تسعفني في بحثي منك ولك، فأنا وأنت ونحن والآخر والكن والكينونة، لنُظهر الخلاف والاختلاف، والتماثل والتغاير، والتماهي والتمايز، وفي مجموعها غاية واحدة هو فهم ماض كي نصل إلى ما سيأتي ربطاً مع الحاضر.

نعم أعود لنظام الأسئلة الكبرى، عبر سردي للتسلسل الحضاري الذي بدأ مع ظهور الشرق وإشعاعاته في: أور سومر، ودمشق فينيقيا، وقدس كنعان، وطيبة الفراعنة (القاهرة الأهرامات وأبو الهول الطوطم)، وأثينا الإغريق، وروما مجد العالم، ومكة محمد، لأسأل عن اليهود وقدومهم من مصر بفضل موسى النبي، و”هاد” يعني عاد وتاب، ويهود يعود إلى رشده وإيمانه بخالقه بعد تمرده عليه وكفره به، فكيف اقتنع العالم أجمع بصورتهم؟،

وإن أكثر من ثلثي التاريخ الديني والاجتماعي يعتمد في مرجعيته على التوراة، كيف حدث هذا ويحدث؟ ولا من باحث يقنعنا بهذا التاريخ العنيف والضاغط على العقل البشري أجمع، لم يكن لليهود أي تاريخ يذكر سوى توراة (التورية أي الإخفاء) الأسباط، لا أسفار موسى عليه السلام، ولم يكن لديهم إرث ثقافي ولا اجتماعي ولا تكوين مدني، إن كل ما نسج منهم قصص وأساطير، بُثت وزرعت في العقل البشري قسراً وبنوايا خبيثة.

أجل ضرورة فهم المدخل، وفتح باب العودة إلى الشرق، والتمسك بإشراقاته التي تدعونا للتدقيق بإشعاعاته العلمية والحضارية والدينية، وفتح التوابيت والنبش فيها، فالمحرم، والمقدس يحتاج اليوم إلى نفض الغبار المتراكم عنه وتسليط الضوء عليه بدقة، كي نعلم المضاف الصحيح، ونفرز ما أضيف إليه،

وبالتالي أُدخل إلى عقولنا وتعلقت الأجيال به دون فهم لحقيقته، هذا المدخل العريض والواسع، والذي حاول التأريخ جعله ثقباً صغيراً أدخل منه كل ما يراد أن يحرف وينحرف عن طبيعته واستقامته التاريخية، ومؤسساً فيه لغة التضاد والتصارع واستلاب إنسانية الإنسان.

ملاحظة: إن طيبة الحديثة -على الرغم من أنها اسم من أسماء مكة- إلا أنها في حقيقة أمرها (طيبة) عاصمة الفراعنة؛ تعادل اليوم الأقصر أو أسوان أوالقاهرة، كانت مدافن الفراعنة الكبرى، والعبور الموسوي قبل الرؤية والتشخيص، كان من البحر الأحمر إلى سيناء، وهذا ما سيمر معنا خلال استعراضنا لمدن الروح والمادة، ومن أجل التنويه، نحاول لفت النظر والانتباه وتحليل ما كتبناه، وقيامكم بالبحث والتدقيق يغني الفكر المستقبلي، فهذه الكلمات هي بمثابة البذرة التي تنبت شجرة،

وهي خطوة على مسيرة الألف ميل، وهي صورة من صور الحياة التي نبحث عن حقيقتها، فأنا بمفردي قليل، ومعك أغدو أفضل، ومعهم نصبح أقوى، حيث نشكل “نحن” التي نؤمن بها وبدونها لا حياة للمفرد الفرد، بكون التسلسل هندسة كونية أرادها المكونن لنكون سلسلة إنسانية، بعد أن فهمنا بشريتنا الممتلكة للعقل.

من كل ذلك حاولنا قدر المستطاع إيجاد المدخل إلى التاريخ الحزين الذي غزاه العقل الإنساني المؤرخ بذاكرته الكبيرة جداً، واستطاعته على استبدال الأشياء فيها، فانتزع منه جماله وانسيابيته، ومسيره الطبيعي، مجبراً إياه على التوقف في محطات منها الإيجابي، وكثير منها سلبي، وقدر الشعوب أن تراه وتتملكه بدراية أو بدونها.

إليه نتجه ضمن رؤية، تحاول أن تنصفه قدر الإمكان، مظهرة أن الإنسان العاقل يقف بين المادي واللامادي، وبكون التاريخ تراثاً لا ماديا،ً فهو يدعونا إليه بحثاً وتنقيباً ودراسة، كي نحوله إلى مرئي بعد أن سيطر التأريخ عليه.

لا يكفي أن ندخل عليه، بل أيضاً أن نروح معه إلى العقل الإنساني المحب والمحبب، ضمن سكون البشرية وصمتها، حيث تتحرك الإرادة لنفض الغبار عنه، وعن العقول الخيرة، آملاً أن ننجح جميعنا في العودة دائماً إلى حقيقته، حيث بها تكمن الحقيقة.

د.نبيل طعمة

شاهد أيضاً

استيراد الحلول

تحتاجها الأزمات، ليس فقط الطارئة والمفتعلة وإنما المبرمجة كأهداف استراتيجية مغناطيسياً؛ لكن جميعها مرصدة، وجاهزة …