تعتبر مسألة الدخل القومي وعدالة توزيعه من أهم المسائل التي تشغل علم الاقتصاد وأكثرها حساسية لصلتها الوثيقة بكل من الأوضاع السياسية والاجتماعية وبالتأكيد الاقتصادية. حيث لا معنى لأية سياسات اقتصادية ناجحة إذا لم يكن هناك توزيع أقرب للعدالة للدخل القومي وشعر الأفراد بتحسن دخلهم ومستوى معيشتهم ولم يعد هناك فوارق كبيرة بين الطبقات الاجتماعية.والمناطق الجغرافية .
ويميز الاقتصاديون عادةً بين كل من التوزيع الأولي للدخول وهو نتاج عوائد عناصر الإنتاج المختلفة إذا تركت دون تدخل من جانب الدولة، وإعادة توزيع الدخول الناجمة عن تدخل الدولة المباشر في الاقتصاد (عن طريق أساليب قصرية مثل التأميم أو الإصلاح الزراعي أو تنظيم الأسعار) أو التدخل غير المباشر (عن طريق الضرائب والنفقات العامة والإعانات الاجتماعية العينية والنقدية).
حيث أكد الاقتصادي الإنجليزي المشهور دافيد ريكاردو في مقدمة كتابه “مبادئ الاقتصاد السياسي والضريبة” أن تحديد القوانين التي تنظم التوزيع هي المشكلة الرئيسية في علم الاقتصاد السياسي”.
ويدعم ذلك قول الاقتصادي الأمريكي جون كينيث جالبرت أنه لا توجد مسألة في الاقتصاد السياسي أهم من الانعكاسات المترتبة على إجراءات توزيع الدخل.
ويصف الاقتصادي السويدي جان تنبرجنيان تينبرغن الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد مسألة التوزيع بأنها العمود الفقري للسياسة الاقتصادية وغن لاحظ غياب تفسير علمي مقبول لاتجاهات التوزيع في الدول المختلفة بسبب إهمال الاقتصاديين لهذه المسألة فترة طويلة.
غير أن الاهتمام بقضايا توزيع الدخول ومستويات الفقر قد شهد زخماً كبيراً في أواخر القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين.
ولكن الاهتمام بقضايا التوزيع في الدول الصناعية المتقدمة لم يقابله اهتمام مماثل في الدول النامية التي لازالت تشهد أكثر مستويات عدم العدالة في توزيع الدخول.
وهناك عدة مداخل عادةً لدراسة وتحليل توزيع الدخل القومي ومنها:
• المدخل الوظيفي: ويقوم على أساس النظرة الوظيفية التي تقسم الدخل القومي وفقاً لعوائد عناصر الإنتاج، عوائد الملكية (الريوع) والربح والفائدة والأجور، وهي نظرة يتبناها أنصار المدرسة الاقتصادية النيوكلاسيكية.
• المدخل الرياضي: ويفترض استجابة توزيع الدخول لقانون طبيعي مقتضاه انتظام وتطابق شكل توزيع الدخول في مختلف دول العالم، وهو اتجاه يتبناه بعض الاقتصاديين الرياضيين والإحصائيين وأهمهم الاقتصادي الإيطالي فيلفريدو باريتو.
• المدخل الاجتماعي الاقتصادي: وهو يسعى لتفسير اتجاهات توزيع الدخول في ضوء تأثير المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية, ومن رواد هذا التوجه الاقتصادية الأمريكية إرما أدلمان في دراسة مشتركة لصالح البنك الدولي نشرت عام 1973 وأبرزت أن أكثر المتغيرات تأثيراً في عدالة توزيع الدخول هي التعليم وتدخل الدولة الاقتصادي وإذابة الفوارق بين الريف والمدينة والصناعات التقليدية والصناعات الحديثة ومستوى الدخول الفردي المتوسط وقوة النقابات العمالية والمهنية.
• وهناك المدخل متعدد الأبعاد: وهو يقوم على نظرة متكاملة للمتغيرات المؤثرة على توزيع الدخول في أربعة مستويات: المجتمع ككل، المستوى الإقليمي والقطاعي، العائلة، الفرد.
ما يهمنا من هذا الحديث الذي اعتقد انه الأكثر أهمية على مستوى الفرد والمجتمع هو شعور الفرد بعدالة في توزيع الدخل القومي المتاح وحصوله على أكبر كمية من العوائد، فطالما أن بوصلة التنمية هي تحسين مستوى معيشة الأفراد وتحسين مستوى الخدمات المقدمة لهم ورفع مستوى دخلهم فإن التوزيع الصحيح يبدو أكثر أهمية من الدخل نفسه، فإذا تحقق ذلك فإن ذلك سينعكس على مجمل الاقتصاد الوطني وعلى إنتاجية جميع عناصر الإنتاج وعلى التخصيص الأمثل للموارد وعلى إعادة ترتيب أولويات النهوض الاقتصادي وأخيراً والأهم هو المواطن الذي سيشعر بالارتياح في هذه الحالة وهذا هو الهدف.
كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية