الأسعار ….

حديث الأسعار مالئ الدنيا وشاغل الناس …
وكيف لا وهي التي تمس اغلب نواحي الحياة المعيشية والجميع يبحث في أسباب ارتفاع الأسعار غير المسبوق وبخاصة بعد (جائحة كورونا) السيئة الصيت،وتراجع القيمة الشرائية للعملة المحلية والأسباب تبقى مهمة بكل تأكيد ولكن الأهم من ذلك بكثير كيفية معالجة هذه الارتفاعات المتكررة لأغلب السلع والمواد والخدمات والتي أصبحت فوق طاقة أغلب فئات المستهلكين.
والركود الذي كان يخيم على السلع غير الأساسية أصبح أشد وطأة ودخلت أعمال ومهن كبيرة في نفق الكساد وضعف المبيعات …
ولمحاولة سبر أسرار الأسعار وكيفية تشكلها ولماذا ترتفع سلع بصورة كبيرة بينما لا يشمل الارتفاع الكبير سلعاً أخرى وما هي العلاقة بين تراجع القيمة الشرائية للعملة المحلية وبين ارتفاع الأسعار وكيف تبدو سلعنا المحلية مرتفعة جداً للمستهلك صاحب الدخل المحلي وبخاصة المحدود منه ورخيصة جداً للقادم من الخارج نتيجة أسعار الصرف.وهي مفارقة جديرة بالاهتمام والدراسة .
في حديث أربعائنا الأسبوعي سوف نحاول تفسير ما يجري من زاوية ما يسمى (مرونات الطلب والعرض).
وريما قد يفسر هذا الحديث وجود سقوف لأسعار بعض السلع دون غيرها فهل يستطيع بائع الألبسة مثلاً رفع أسعار سلعه تجاوباً مع ارتفاعات الكلف وسعر الصرف وإلى أي حد يمكن الاستمرار في ذلك طالما أن هذه السلعة تصنف ضمن السلع غير الأساسية نوعاً ما بينما يمكننا تفسير قدرة بائعي ومنتجي المواد الأساسية الضرورية على رفع أسعارهم لعكس ارتفاع التكاليف العامة.
حيث تشير مرونات الطلب إلى مدى استجابة الكمية المطلوبة من سلعة معينة إلى التغيرات في سعرها أو التغيرات في الدخل النقدي المنفق على السلعة أو التغيرات في أسعار السلع الأخرى وهكذا نستطيع أن نميز ثلاثة أنواع من مرونات الطلب:
– مرونة الطلب السعرية.
– مرونة الطلب الدخلية.
– مرونة الطلب التقاطعية.
مرونة الطلب السعرية هي مدى استجابة الكمية المطلوبة من سلعة معينة إلى التغيرات في سعرها، وبعبارة أخرى، فإن مرونة الطلب السعرية تعني النسبة المئوية للتغير في الكمية المطلوبة من سلعة ما والناشئ عن التغير في سعرها بمقدار واحد في المائة.
ويكون معامل مرونة الطلب السعرية دائماً سالب الإشارة، بسبب العلاقة العكسية بين الكمية المطلوبة من السلعة وسعرها حسب قانون الطلب.
بالإمكان ملاحظة خمسة أنواع من مرونة الطلب السعرية:
أولاً: طلب مرن.
ثانياً: طلب غير مرن.
ثالثاً: طلب أحادي المرونة (أو متكافئ المرونة).
رابعاً: طلب عديم المرونة.
خامساً: طلب لا نهائي المرونة الشكل.
لكن لماذا تختلف مرونة الطلب باختلاف السلع وباختلاف الزمان أو المكان؟ هناك عدة عوامل تؤثر على مرونة الطلب على السلعة ومنها:
أ‌- مدى ضرورة السلعة للمستهلك فكلما كانت السلعة ضرورية كان الطب عليها أقل مرونة فالتغير في أسعار السلع الضرورية (الأرز- الدقيق- السكر- الزيت -…الخ) لن يؤدي إلى تغير كبير في استهلاكها لأن الكيمة المستهلكة من تلك السلع محدودة باحتياجات الأفراد ولن يقبلوا على الشراء منها بكثرة فيما لو انخفضت أسعارها كما انهم لن يخفضوا استهلاكهم منها تخفيضاً كبيراً فيما لو ارتفعت أسعارها … هذا بعكس السلع الكمالية (السيارات- الكاميرات- المانجا- الأثاث- …الخ) التي يؤدي التغير في أسعارها إلى تغيرات كبيرة في الكمية المشتراة منها لأن كونها سلعا كمالية يعني أن بعض الأفراد لا يشترونها لأن أسعارها مرتفعة ولكن الانخفاض في الأسعار ربما يؤدي إلى زيادة ما يرغب الأفراد في شرائه من تلك السلع وربما يفسر هذا تلك الحملات الإعلانية التي يلجأ إليها بعض بائعي السلع الكمالية كملابس الأطفال والنساء والأثاث لتسويق سلعهم فمرونة الطلب على تلك السلع مرتفعة مما يعني أن التخفيضات في الأسعار تؤدي إلى زيادة كبيرة في الكمية المطلوبة.
ب‌- مدى وجود بدائل للسلعة فالطلب على السلعة التي يوجد لها عدة بدائل أكثر مرونة من السلع ذات البدائل القليلة فالطلب على أحد أصناف السيارات مرن لأن هناك أصنافاً اخرى بديلة لها وكذلك على خدمات التصليح مثلاً، أما الطلب على بنزين السيارات فهو أقل مرونة لأن بدائل البنزين قليلة والطلب على الاسمنت ذو مرونة قليلة نسبياً لقلة البدائل.
ت‌- نسبة ما ينفق على السلعة من دخل المستهلك فالطلب يكون أكثر مرونة بازدياد نسبة ما ينفقه المستهلك من دخله على السلعة فالملح الذي يشكل الانفاق عليه نسبة ضئيلة من دخل المستهلك لا يعير المستهلك التغيرات بأسعاره اهتماماً كبيراً فإذا كان ينفق (500) ل.س من دخله الشهري على الملح فعند تضاعف سعره لن يؤثر على الكمية المطلوبة وسيزيد مما ينفقه المستهلك إلى (1000) ل.س وفي الجانب الأخر نرى أن أسعار السيارات أو البيوت مهمة جداً للمستهلك لأنها تشكل نسبة كبيرة من إنفاقه.
ث‌- طول الفترة الزمنية أو قصرها فالطلب على السلعة يكون أكثر مرونة كلما كانت الفترة الزمنية مجال البحث أطول فإذا ارتفعت أسعار بنزين السيارات فإن الكمية المطلوبة لن تتأثر كثيراً في الأجل القصير ولكن مع مرور المدة يلجأ الأفراد إلى شراء سيارات تستهلك من البنزين أقل مما يجعل الطلب على البنزين أكثر مرونة في الأجل الطويل.
مرونة العرض السعرية:
أما مرونة العرض السعرية فهي لا تختلف من حيث المفهوم عن مرونة الطلب السعرية ولا تقل أهمية عنها، فهي تعني مدى استجابة الكمية المعروضة من سلعة ما للتغيرات في سعرها.
أما محددات مرونة العرض السعريةفهي .
أولاً: عامل الزمن: يعتبر الزمن أهم محدد لمرونة العرض السعرية حيث تكون مرونة عرض السلعة قليلة جداً في المدى القصير لعدم تمكن المنتجين من الاستجابة للتغيرات في سعر السلعة وعدم استطاعتهم تغيير عناصر الإنتاج أما في المدى الطويل فتصبح مرونة عرض السلعة عالية ويستطيع المنتجون زيادة الكمية المعروضة منها والاستجابة للارتفاع في سعر السلعة.
ثانيا: قابلية السلعة للتخزين: كلما كانت السلعة قابلة للتخزين وغير قابلة للعطب كلما أصبحت مرونة عرضها أكبر إذا يستطيع منتجوا السلعة زيادة عرضها أو (تخفيضه) عن طريق التخزين فإذا ارتفع السعر يزداد العرض وإذا انخفض السعر يقل العرض ويزيد المخزون من السلعة.
ثالثاً: قابلية عناصر الإنتاج للانتقال: كلما كانت عناصر الإنتاج قابلة للتحول من إنتاج سلعة إلى أخرى كلما كانت مرونة عرض السلعة أكبر أما إذا كانت عناصر الإنتاج غير قابلة للتحول فإن المنتج لا يستطيع الاستجابة وزيادة عرض السلعة في حالة ارتفاع سعرها وتقليص عرض السلعة التي انخفض سعرها.

بعد هذا الاستعراض قد يتساءل البعض عن الجدوى من دراسة موضوع المرونة في إطار الحديث عن الأسعار وتأثر الحياة المعيشية بها والواقع أن فكرة المرونة من أكثر الموضوعات تطبيقاً في مجال السياسة الاقتصادية وهي مهمة جداً في الدراسات التي يقوم بها أصحاب الأعمال لتسويق منتجاتهم وهنا يمكن تفسير قيام تجار الملابس مثلا بالإعلان عن تخفيضات موسمية في الأسعار ولا يقوم تجار المواد الغذائية بذلك فإذا كان الطلب على الملابس مرناً فان التخفيضات في الأسعار تؤدي إلى زيادة الإيراد الكلي.
وفي مجال السياسة الاقتصادية تستخدم المرونة في الدراسات الخاصة بأثر الضرائب والإعانات أو الرسوم الجمركية على الأفراد والمؤسسات فعندما تقرر الحكومة مثلا صرف إعانة لسلعة معينة فإن معرفة مرونة الطلب ومرونة العرض لتلك السلعة ضروري لتحديد الجهة الخاصة التي تتحصل على أكبر فائدة ممكنة من الإعانة وكذلك الحال في السياسات الخاصة بالضرائب أو سياسات التسعير المختلفة.

أخيراً يمكن القول أن الأسعار بحكم تشكلها وفق قوى العرض والطلب وعناصر التكلفة الرئيسية فهي قابلة للتحكم والسيطرة من خلال تخفيض الاستهلاك وخلق البدائل من جهة الطلب وزيادة الإنتاج من جهة العرض وتبقى للدخل الفردي كلمة الفصل الأخيرة في تحديد هذه الأسعار ……

كتبه: د. عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …