من المهم العمل لتحقيق مسار أمثل للتنمية والنهوض الاقتصادي في سورية بغض النظر عن الظروف والمستجدات المؤقتةوالمتغيرة . بالإضافة لأهمية تحليل السياسات المطلوبة لمواجهة التقلبات الاقتصادية فيما يتعلق بالسياسة المالية والنقدية وسياسة التجارتين الداخلية والخارجية وسياسة الاستثمار الأجنبي المباشر وهي تشكل جميعها عناصر مترابطة مع بعضها ولا يمكن العمل على منحى دون الآخر لكونها في النهاية تشكل هيكل الاقتصاد الكلي.
ونورد في حديث هذا الأسبوع مجموعة من الأفكار ذات المستوى الكلي:
1. من الأهمية التركيز على تحقيق معدل تنمية مستدامة وعدم الاكتفاء برفع معدلات النمو الاقتصادي لأنها قد لا تحقق التنمية المطلوبة وبخاصة إذا كانت تعتمد على قطاعات ريعية غير منتجة.مع توزيع عادل للدخل القومي
2. مرحلة التوظيف الكامل لعوامل الإنتاج تعتبر من أهم أسباب تحقيق معدلات النمو ومن ثم تنمية مستمرة والواضح أن سورية لم تصل بعد لتحقيق هذه المستويات سواءً على مستوى الزراعة أو الصناعة أو الخدمات لأن هناك قطاعات عديدة فيها قابلة للمزيد من الضخ الاستثماري والفرص الواعدة بعكس الدول المتقدمة التي غالباً ما تكون في مرحلة التوظيف الكامل حتى أن البعض في هذه الدول يدعو إلى (نظرية التنمية صفر) والاكتفاء بالتراكم الرأسمالي الذي وصلت إليه هذه الاقتصاديات والتوجه نحو الاهتمام بالأمور الاجتماعية والترفيهية والثقافية.
3. لا معنى لمعدل تراكم رأسمالي بالنسبة للناتج المحلي لتحقيق معدل نمو معين إذا تزامن هذا الاستثمار سواءً على مستوى القطاع العام أو الخاص بمجموعة أمور سلبية (كالهدر- الفساد- ضعف الإنتاجية ….) وهذا ما تؤكده بعض الأرقام التي تشير إلى أن معدل العائد على الاستثمار العام كان بحدود 2.3% وفي الاستثمار الخاص 4.8% عام 2006.
وفي كلا الحالتين فالعائد ضعيف ولا يؤدي إلى إعادة استرداد رأس المال بفترة مقبولة اقتصادية وهذا يعطي تبريراً عن أسباب ضعف مردودية الاستثمارات والتي أدت في مرحلة سابقة إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي عن المعدل المقارن وفق نظرية مضاعف الاستثمار والتي تشير إلى أن هذا المعدل يجب أن يكون بحدود 7.4% فيما سجل النمو عام 2006 حوالي 5.1%.
4. مازالت نسبة إجمالي الاستثمار (العام والخاص ) بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي منخفضة مقارنة بالدول التي حققت طفرات تنموية مهمة بالإضافة إلى أن هذه الأرقام قد تدخل فيها القيم الاستثمارية المرخص لها وغير المنفذة مما تعطي أرقاماً مضللة.
أما فيما يتعلق بالاستثمار الحكومي والذي يعزى إلى محدودية الموارد ومنها الضريبية وهنا يمكن إيراد الملاحظات التالية:
– إن الضرائب عادةً تمول الخدمات الحكومية والاجتماعية وهي التي تعود بمنفعة عامة للأفراد.
– إن الاستثمار العام يجب أن يكون بالفوائض المالية الحكومية وليس من الحصيلة الضريبية كما أن هذا الاستثمار يجب أن يكون مجدياً ويتمتع بمؤشرات الريعية الاقتصادية قبل القيام به أي لا يجب تحميل العبء الاجتماعي على الاقتصادي كما حصل في فترات سابقاً.
– إن الاستثمار الخاص لا يتم إلا في حالتين: وجود فرصة مجزية ووجود مناخ استثماري جاذب وبالتالي يجب العمل على الشق الثاني لأن الفرص موجودة في جميع القطاعات.
5. فيما يتعلق بالنمو المحابي للفقراء فهو هدف يجب التركيز عليه من خلال إعادة توزيع الناتج المحلي بشكل عادل وهذا يتحقق باستمرار الحكومة بتقديم خدمات عامة (مدارس- جامعات- مستشفيات – طرقات- مواصلات- اتصالات- …..) يستفيد منها ذوو الدخل المحدود لأنه حتى في أكثر الدول المتقدمة هذه الخدمات تقدم ضمن أجور رمزية.
كما أن تنمية الدخل الفردي الذي تراجع بشكل خطير مؤخراً أحد أهم العوامل المساهمة في توسيع الاستهلاك الذي يعتبر أحد عناصر رفع الطلب الذي يحفز الاستثمار والإنتاج والتصدير.
6. فيما يتعلق بالاندماج الاقتصادي الإقليمي: فهو من أهم عناصر تحقيق اقتصاديات الحجم الكبير والتخصص الأمثل اعتماداً على الميزة النسبية في كل منطقة وهذا الأمر بدأت سورية الاستفادة منه ولكن يحتاج لخطوات أسرع .
7. فيما يتعلق بعناصر سياسات مواجهة التقلبات الاقتصادية ومنها السياسية المالية فإن حجم الإنفاق الحكومي يشكل نسبة منخفضة مقارنة بباقي دول العالم بسبب تدني الإيرادات الحكومية، إلا أن الأهم هو كيفية إدارة هذه الإيرادات وكيفية استخدامها ومراقبتها وتقييمها فليس المهم صرف الإنفاق العام على أعمال وخدمات غير مجدية اقتصادياً ولا حتى اجتماعاً بل لا بد من وضع دراسة جدوى للإنفاق العام بحيث يتم تحقيق الاستفادة القصوى من هذا الإنفاق واختيار أولويات هذا الإنفاق حسب احتياجات البرنامج الوطني للتنمية لما بعد الحرب أولاً وحسب انعكاسها المباشر على باقي القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ثانياً.
8. فيما يتعلق بالسياسة النقدية: من الأهمية أن يأخذ المصرف المركزي دوره في هذه السياسة كاملاً بالإضافة لتفعيل دور مجلس النقد والتسليف فيما يتعلق بتحريك مؤشرات الفائدة المدينة والدائنة حسب متطلبات الاقتصاد الكلي ولمعالجة حالات الركود أو التضخم والتحكم بتذبذب أسعار الصرف وإعادة القيمة الحقيقية للعملة المحلية.
9. فيما يتعلق بسياسة سعر الصرف هناك ترابط كامل بين هذه السياسة وبين السياستين المالية والنقدية بحيث تكون أسعار الصرف معبرة عن حرارة أو ضعف الاقتصاد الكلي وأن تستخدم هذه السياسات لتحقيق مؤشرات اقتصادية أفضل فما معنى سعر صرف قوي أو حتى ضعيف للعملة المحلية مقابل تحمل أعباء كبيرة أو حدوث أضرار لقطاعات معينة.
10. التصدير يجب أن يشمل الاستفادة من عمليات الإدخال المؤقت بقصد التصنيع والتصدير وعمليات الترانزيت التي تنفرد فيها سورية بالمنطقة.
11. إن نسبة مشاركة القطاعات الرئيسية في الناتج المحلي لا معنى لها بل تتركز الأهمية على مدى تحقيق القيم المضافة والريعية العالية لهذه القطاعات فهناك دول متقدمة لا تشكل مساهمة الزراعة فيها أكثر من 7-10% إلا أنها تحقيق تفوقاً زراعياً كبيراً نتيجة الإنتاجية المرتفعة واستخدام وفورات الحجم الكبير والتكنولوجيا مقابل نسب أكبر لقطاع الخدمات (شحن – نقل- اتصالات- مصارف – تأمين ….) لأن هذه الخدمات هي التي تحقق نجاح باقي القطاعات (صناعة- زراعة….) فبدونها لا يمكن تصريف الإنتاج بالوقت والمكان والتكلفة المناسبة ومثالها (السودان الذي يملك أكبر قدرة زراعية في المنطقة ويعاني من مشاكل تسويقية وإنتاجية كبيرة).
إنها مجرد هواجس تنموية لمستقبل اقتصادي أفضل يتم فيه الاستفادة من تجارب الماضي واختيار أفضل سيناريوهات التطوير المستقبلي في ضوء برامج إعادة الاعمار وترتيب الأولويات وموائمة الإمكانيات المتاحة مع الاحتياجات المتعاظمة.
وجميع هذه الأهداف ينبغي أن تكون بوصلتها وموجهها الرئيسي هو زيادة الدخل الفردي وتحسين المعيشة ورفع مستوى الخدمات.
كتبه: د. عامر خربوطلي