الشريط الإخباري

السبات الاقتصادي

ليس مصطلحا اقتصاديا جديدا ولا يوجد له أي تعريف اقتصادي قبل جائحة (كورونا المستجد) بل هو تعبير نشأ حديثاً منذ عدة أيام للدلالةوالتعبير عند بعض الدول التي تضرر اقتصادها من تداعيات أزمة كورونا وحاجتها للاستيقاظ من السبات الاقتصادي الذي عصف بهذه الدول وخاصة المتقدمة منها وأدخل اقتصادها الى غرف العناية المركزية بدون سابق انذار واحتاجت من خلال ذلك لأجهزة تنفس اقتصادية لإعادة ضخ الاوكسجين لمفاصل العمل الاقتصادي بجميع تفرعاته الصناعية والتجارية والخدمية و الذي تضرر بشكل كبير من جراء الاغلاق والإقفال ومنع التجول وتوقف الاعمال بشكل مفاجئ.
ولأول مرة يحدث في الكرة الارضية نوع من التماهي بين الدول سواء في الاجراءات المتخذة.
أو في الأضرار الصحية والاقتصادية حيث تساوت في ذلك الدول الغنية مع الفقيرة على حد سواء ..
ولأول مرة تضاف لسلسلة الدورات الاقتصادية المعروفة في العالم الرأسمالي من ركود وكساد الى انتعاش فازدهار تسمية جديدة مما اصبح يعرف(بالسبات الاقتصادي) وهو بمثابة تراجع اقتصادي قسري حدث في كل دولة ولكن هذه المرة بملء إرادة هذه الدول وباجراءات احترازية لمنع تفشي الوباء ولكنها أدت لتوقف أغلب الأعمال و النشاطات الحيوية للجسد الاقتصادي بصورة مؤقتا مبدئيا ولا يمكن تحديد مداها النهائي….
وفرض ذلك السبات الاقتصادي أو الغيبوبة المؤقتة على الدول بأن تعيد ترتيب اولوياتها بشكل كامل ومفاجئ ولتضع الصحة قبل التعليم والصناعة والتجارة ولتهتم بصناعة الدواء قبل صناعة السياحة و السفر وحتى مزاولة المهن والحرف ولتضع المعقمات والمطهرات في مرتبة الأولويات قبل عروض الأزياء و قبل المطاعم والفنادق والمسارح.
انه عالم جديد يولد ببطء وسيعيد ترتيب الدول والشركات وفق قواعد تنافسية جديدة. ومن يظن أن شركات عملاقة وحتى صغيرة سوف تستمر بعد تكبدها لنفقات الاستئجار وتسديد فوائد القروض وغيرها من تكاليف التشغيل الثابتة في مواجهة حالة الاغلاق والتراجع من يظن ذلك فهو مخطىْ. وستعلن شركات إفلاسها إن لم دولا بذاتها ..
لقد توضح اليوم أكثر من أي وقت مضى أهمية هرم (ماسلو) لاحتياجات الانسان الذي قدمه العالم( ابراهام ماسلو ) عام 1943 عندما قسم تدرج هذه الحاجات من قاعدة الهرم الى قمته وفق التالي:
1- التنفس- الطعام- الماء-النوم-الجنس-التوازن – الاخراج (وهي الحاجات الفيزيولوجية)
2- السلامة الجسدية – الأمن الوطني – أمن الموارد- الأمن الأسري والصحي والممتلكات (حاجات الأمان)
3- الصداقة – العلاقات الاسرية – الألفة الجنسية (الحاجات الاجتماعية)
4- تقدير الذات – الثقة – الانجازات – احترام الآخرين (الحاجة للتقدير)
5- وأخيرا وفي قمة الهرم الحاجة لتحقيق الذات من خلال الابتكار وحل المشاكل وتقبل الحقائق.
ولم يأت وباء كورونا التنفسي عن عبث كون حاجة التنفس هي في أولى أولويات الحياة وفي قاعدة هذا الهرم …
وبعد مرور حوالي 4 اشهر على وباء كورونا المستجد بنسخته /19/ ولا ندري هل سيستمر في في تداعياته وهل هناك نسخ جديدة 20 أو 21 مثلا … وما بعد لا سمح الله. إلا أن ما يهمنا فعلا أنه ولأول مرة تتفوق المواد الغذائية على منتجات و مشتقات البترول والغاز ولأول مرة تزداد أهمية المشافي على الفنادق والمطاعم و تتبوأ خدمات الانترنت والعمل عن بعد المرتبة الاعلى عن خدمات الاحتكاك المباشر التقليدي.
اضرار كورونا الاقتصادية أكبر بكثير من أضرارها الصحية رغم أهمية صحة الانسان وسلامته, فهل تقلب كورونا مفاهيم علم الاقتصاد وأساسياته المعتمدة على موائمة الموارد المحدودة مع الحاجات الغير محدودة وتصبح القاعدة تركز على حاجات محدودة وتقف عندها جميع الخدمات غير الاساسية ومتطلبات الرفاهية والبذخ وتعيد الحديث عن نظرية التنمية صفر فعندها سوف تبرز دول وتختفي دول بهذه المقولة الجديدة.
قديماً كانت توصف الدول النامية بأنها نائمة ويجب أن تستيقظ من سباتها, أما الآن وبعد كورونا فأصبحت جميع دول العالم بحاجة لقرع جرس الاستيقاظ والبدء ببناء اقتصاد جديد مبني على قواعد اكثر اخلاقية وعقلانية وتراتبية.
والاقتصاد السوري كما باقي الاقتصاديات و رغم توفر المواد الاساسية من قاعدة هرم (ماسلو) بحمد الله إلا أن حاجات رأس الهرم كانت الأكثر تضررا وتراجعا وحدث هدر شديد لطاقات فكرية ومادية من خلال فترة السبات الاقتصادي واجراءات الحجر المنزلي الاضطرارية وهو بحاجة اي الاقتصاد السوري لإعادة تفكير جديد في ترميم ما تضرر من حاجات عليا غير اساسية كحاجات التقدير والابتكار عبر التركيز على المبادرات المجتمعية والأهلية وريادة الأعمال والتقانة والعمل عن بعد والاستيقاظ سريعا والتحول لنشاط اقتصادي يعيد ترتيب أولويات الاستثمار والتجارة والمهن بالاضافة للحاجات الاساسية من تامين الطعام والعمل والدخل.

كتبه الدكتور عامر خربوطلي
العيادة الاقتصادية السورية

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …