أمضى الكاتب أكثر من عام يستشفي من جراح ذات خطورة عالية على الحياة؛ قبل أن ينخرط في تدوين بعض تجربته التي مارسها في أتون معارك عديدة, وفي نقل التجربة من طبيعتها الميدانية إلى طبيعتها الكتابية يحدث الافتراق الكبير بين التجربة الميدانية المتكوّنة من لحمٍ مخترمٍ بالرصاص والهتك، ودماءٍ يتّخذ نزفها صيغة التيّار، وأعصاب حارقة ومحترقة، وأفكار وآمال وأحلام وحديد ونار ورصاص, وجميع ما ينتمي إلى مادة الجحيم، وبين التجربة المتكوّنة من كلمات وأنساق لغوية. والمزيّة الأبرز في الرواية المنوّه بها، أنّ كاتبها استطاع أن يضع قارئها في لبّ التجربة العنيفة المسرودة بمكر فنّي مناسب, لا يستقيم بناء الفنّ من غير وجوده, ومسرودة أيضاً بصدق نادر في مدوّناتنا السردية الخاصّة بالحرب، وغيرها؛ تلك المسرودات المترهّلة المتورّمة بسبب ما يلجها من مبالغات وإطناب فارغ كفراغ الطبول.

د. صلاح صالح