(هوّة في باب عتيق) رواية كتبها الكاتب السوريّ (علي محمود) في حمّى فظاعات الجحيم الناشئ عن الحرب التي (شنّها معظم العالم ضدّ سورية) بتعبير الشاعر والروائي العراقي أسعد الجبوري. الرواية نصّ أدبي طويل نسبيّاً؛ وميزة النصّ أنه نص جدير بالقراءة، بسبب تكوينه الداخلي، لا بسبب مادّته السردية، ولا بسبب اتّسامه بالأدبية فقط. ومشكلة كثير من النصوص التي سردت الحرب، أو فصولاً منها، ماثلة في الابتعاد عن ممارسة التقاليد الأدبية في تدوين النصوص، وعدم إيلائها دور الصدارة؛ انطلاقاً من أنّ السخونة العالية التي تتصف بها الأحداث المسرودة تقوم مقام التقاليد الأدبية المفترضة التي يحدثُ أن يستسخفها المقاتلون وهم يلجون مباشرة إلى أشداق الموت. غير أنّ فعل الكتابة يأتي تالياً لفعل الحرب؛ ومن التلقائي أن يستعيد المحارب في (استراحته المسرودة افتراضياً) فصولاً أو أشتاتاً كاملة أو ناقصة من الأهوال التي عبرها إلى برّ النجاة – إذا كانت هناك من نجاة، بطبيعة حال هذه الحرب المريعة – وعندما يأتي فعل الكتابة فمن التلقائي أن تخضع الكتابة لمقتضياتها الخاصّة التي تختلف جوهريّاً عن مقتضيات الحرب. وفي هذه الفاصلة الدقيقة القائمة بين تجربتي الكتابة عن الحرب والحرب، يحدث الافتراق بين النصّ الأدبي وسواه, من غير أن يغيب عن الأذهان أنّ الطبيعة الأدبية لأيّ نصّ هي وحدها الكفيلة بالحفاظ على بعض السخونة المستعادة من أرض المعركة؛ لأن نقل السخونة الفعلية للحدث الحربي المباشر أمرٌ واقع في حيّز المستحيل.
أمضى الكاتب أكثر من عام يستشفي من جراح ذات خطورة عالية على الحياة؛ قبل أن ينخرط في تدوين بعض تجربته التي مارسها في أتون معارك عديدة, وفي نقل التجربة من طبيعتها الميدانية إلى طبيعتها الكتابية يحدث الافتراق الكبير بين التجربة الميدانية المتكوّنة من لحمٍ مخترمٍ بالرصاص والهتك، ودماءٍ يتّخذ نزفها صيغة التيّار، وأعصاب حارقة ومحترقة، وأفكار وآمال وأحلام وحديد ونار ورصاص, وجميع ما ينتمي إلى مادة الجحيم، وبين التجربة المتكوّنة من كلمات وأنساق لغوية. والمزيّة الأبرز في الرواية المنوّه بها، أنّ كاتبها استطاع أن يضع قارئها في لبّ التجربة العنيفة المسرودة بمكر فنّي مناسب, لا يستقيم بناء الفنّ من غير وجوده, ومسرودة أيضاً بصدق نادر في مدوّناتنا السردية الخاصّة بالحرب، وغيرها؛ تلك المسرودات المترهّلة المتورّمة بسبب ما يلجها من مبالغات وإطناب فارغ كفراغ الطبول.
د. صلاح صالح