قد يكون فقدان بعض الموارد والخدمات الأساسية والبنى التحتية مرحلياً، ويعوض حين تنجلي منغصات الحرب وتنطلق عجلة إعادة الإعمار، لكن خسارة الشباب وخاصة من الذكور -لأنها الأكثر حدوثاً- فلاشك في أنها تخلق منعكسات سلبية لا تحمد عقباها في مختلف مناحي الحياة.
الملاحظ أنه، بالرغم من موجة الهجرة الكبيرة التي شهدتها البلاد خلال عام 2015 بسبب ويلات الحرب الظالمة التي تشن على البلاد، فإن هذه الكارثة لاتزال مستمرة ولو بوتائر أقل، حيث نسمع وإلى اليوم في محيطنا أن هذا الشاب أو ذاك من خريجي الطب والهندسة وغيرهم، إما سافروا أو يتحضرون للسفر، حتى أصبحت هناك ندرة في مشاهدة الذكور من الخريجين الجامعيين، وإن صادفك أحدهم فهو من أولئك الذين يكملون دراسات عليا، وحتى هؤلاء فأغلبهم يعدون بحكم المغادرين إذا ما بقيت ظروفنا على حالها فترة طويلة.
ما يحز في النفس معضلة العنوسة التي تفاقمت مؤخراً، وتحولت إلى مبعث بؤس وإحباط للفتيات وأهاليهن، حيث باتت تغص الأسر بمثلهن مع ضعف الأمل بتقدم أي شاب للزواج بهن، وخاصةً إذا ما كنّ من حملة الشهادات الجامعية، حيث يصعب على معظمهن قبول أي شخص أقل من مرتبتهن العلمية، وذلك ما يهدد بتهدم بنية الأسرة التي تعد السلم الأساس لنمو مجتمعنا.
كما أن اللافت للنظر أيضاً أن معظم المتقدمين للمسابقات الوظيفية هن من الإناث، وهو أمر له منعكساته السلبية الكثيرة على أداء الدوائر، لكون بعض مفاصلها كالورش والمهن وأعمالها التي تتطلب جهداً عضلياً ومناوبات وغيرها، تحتاج بطبيعتها للذكور.
الظاهرة لاشك خطيرة جداً، وباتت نذرها المشؤومة ملموسة وفي تصاعد، ما يستدعي دراسة مسبباتها على أعلى المستويات، وإيجاد الحلول المنطقية والعاجلة التي تحدّ منها، وخاصة أن الدولة تتكلف الكثير على التعليم العالي للشباب، ولا يعقل تركهم لقمةً سائغةً لبلدان أخرى لتقطف ثمار طاقاتهم تنموياً ومجتمعياً، بينما نحن نحصد خيبات تراجع التنمية وخراب الأسرة.

وليد الزعبي