رأس حربة في طعن كل ما هو خاطئ الأدب الساخر المتأرجح بين المأساة ومرارة النكتة

زخر التاريخ عبر عصوره المختلفة، بألوان عديدة من الأعمال الساخرة تجلت في كل أشكال الفنون من أدب وشعر ومسرح وسينما ودراما.. ولزمن مضى، كانت السخرية أحد ملامح القصة القصيرة في سورية ولاسيما خلال ثلاثة عقود: السبعينيات والثمانينيات، وحتى التسعينيات.. لكن مع بداية الألفية الثالثة، وكأن ثمة عطباً أصاب القصة القصيرة بشكلٍ عام، والقص الساخر بشكلٍ خاص.. حتى بدت كل النصوص متجهمة «لا تضحك للرغيف الساخن» فماذا حصل؟ أسئلة عديدة أجاب عنها مجموعة من الكتاب الذين تميّزوا بطرافة نتاجهم النقدي المشبع بجرعات من السخرية والتهكم والمفارقة في سياق نقد مواطن الخطأ والإشارة إليها..
القصة القصيرة بعيدة عن الكتابة الساخرة
الأديب وليد معماري: السخرية في ملامح القصة القصيرة لا تتوافق مع الحقيقة التاريخية على الأقل..فثمة عطب أصاب القصة القصيرة والقصة الساخرة، وأن كل النصوص متجهمة (لا تضحك للرغيف السخن)!.. والواضح لدي أنه من زمن السبعينيات والقصة القصيرة تغرق غالباً في المتوجع وفي الشكايات الذاتية المتعلّقة بالهموم الفردية، أو الاجتماعية، وفي عودتي الشفهية إلى ما استطاعت إليه ذاكرتي.. (وللأسف لم أحظ بما هو مطلوب مني)، حيث لم أجد قبل أو بعد ثلاثة عقود: السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات حسب قولك، ما عدا مجموعة قصص قصيرة، ضعيفة فنياً، لكاتب سوري حاول محاكاة الكاتب التركي الراحل عزيز نيسن!!…
وأما ما يستحق البحث عن الكتابة الساخرة فهو في الصحف غالباً.. من خلال زوايا مسجلة لكتاب يتقنون هذا المهنة.. وهذا لا يعني غياب بعض الصحف الساخرة، ومنها ما عاينته في صحيفة سورية أسبوعية صدرت في خمسينيات القرن الماضي، وأخرى في نهايات القرن ذاته.. كما عاينته في صحف مصرية، وفي صحيفة أردنية ساهمت في رفدها..
ومن ذكرياتي زاوية ساخرة ساهم فيها الأديب الراحل حسيب كيالي، في صحيفة البعث، وقد كان كاتب قصة جادة، وفي المجال والمكان ذاته ساهم الراحل الروائي عبد النبي حجازي، ولم يكن كاتب رواية ساخرة، وعلى هذا المنوال ساهم الشاعر الراحل محمد الماغوط، وكاتب القصص زكريا تامر في صحيفة تشرين.. ما يعني ويؤكد أن القصة القصيرة في سورية كانت بعيدة عن الكتابة الساخرة عبر تاريخها.
لا مقومات لهذا الأدب لأنه يحدّ من حرية الكاتب
الكاتب والإعلامي داوود أبو شقرا أكد أن الأدب الساخر لم ينسحب من الحياة الثقافية.. قد يتأخر عقداً أو عقدين ليصبح منتجاً لمفاعيل الأزمة،هو دائماً يأتي مع كتّاب كبار ينظرون للحياة نظرة ثاقبة ترى الواقع بعين مغايرة لما يراه الناس العاديون الذين ينظرون إلى القوانين الوضعية والعادات على أنها «تابوهات مقدسة»، لكن الأدباء والفنانون ينظرون إلى الواقع نظرة تغييرية تهدف إلى تصحيح بعض الأخطاء وتصويبها، لذلك هم رافضون لها فهم ينظرون إلى الأخطاء كعثرات تجب إزالتها،فهم الذين يتكلمون بضمير الناس والناطقون بلسانهم، فالأدب الساخر موجود ولم ينقطع والدليل وجود عشرات الأسماء، لكن النقد تراجع لدرجة أنه يلحظ الكثير من الأصوات السورية لهذا النوع من الأدب ولا توجد مقومات له، لأنه يحد من حرية الكاتب في خلق فضاءات ذات حرية أوسع والمشكلات اليومية تطرح علينا قضايا ربما تجترح حلولاً غير موجودة أساساً، والمقومات هي محددات مدرسية وليست «تابوهات مقدسة»..
الناس ملّت الطروحات الجادة!
الفنان التشكيلي موفق مخول الذي اتخذ من صفحته الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي منبراً اجتماعياً ساخراً قال:هذا النوع من الأدب أخذ منحىً مهماً وتحوّل إلى قضية اجتماعية وإنسانية وسياسية، خاصة في ظل الظروف التي يمر فيها البلد وهي ظروف مملوءة بالتناقضات المختلفة، لذلك «النكتة» أو ما يمكن تسميته بالأدب الساخر هو حلّ مهم لحالتنا الإنسانية التي نعانيها، فأغلب المجتمعات التي ترزح تحت ضغوط وأزمات تكون «النكتة» حاضرة لديها عبر الحياة والصحافة والكاريكاتير والعمل الدرامي، وأشار إلى أن هامش الحرية في المجتمع هو ما يسمح لهذا النوع من الأدب بالظهور،خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي سمحت للكثيرين بتناول القضايا الاجتماعية والحياتية بأسلوب «النكتة» لكون هامش الحرية فيها أعلى، ولا ننسى دور بعض الأعمال الكوميدية التي اقتبست الكثير من القضايا الساخرة وطوّعتها عبر الدراما وخلقت لنفسها متابعة جماهيرية عالية، وهذا دليل على تعطش الجمهور لهذه الطروحات التي لامست فيما قدمته هموم الإنسان السوري بأسلوب ساخر يعتمد على النكتة والبسمة، فالناس ملّت الطروحات الجادة خاصة في ظل الضعف الذي تعانيه الصحافة مع غياب الأقلام التي صدّرت لهذا النوع من الأدب، وقدموا قضايا المجتمع بأسلوب «النكتة»، ولكن حالة ضعف الثقافة التي يعيشها المجتمع هي السبب وراء تراجعه مع غياب الكثير من الأسماء، وهذه الحالة ليست محلية بل على مستوى العالم، فبرغم إيجابيات التكنولوجيا إلا أن إحدى مساوئها ضعف حالة القراءة..
متنفس للحالة الداخلية للمواطن
الدكتور محمد عامر مارديني لفت إلى أنه برغم الأزمات والضغوطات التي يعيشها السوريون، إلا أن روح «النكتة» مازالت حاضرة وأصبحت متطورة لذا لم تعد تعجبهم الكتابات الساخرة التي لا تدغدغ مشاعرهم ولا يلتفتون إليها، وهناك قلة من المثقفين الذي يتناولون عبر أقلامهم هذا النوع من الأدب الذي يوصف بالسهل الممتنع،خاصة أن هناك نقصاً في مفرداته،إضافة إلى انشغال الناس بهمومهم اليومية،وهناك مستويات متعددة من الأدب الساخر منها السياسي والاجتماعي والإنساني والرياضي وغيرها، وربما يكون هناك مانع داخلي من تناول بعض القضايا، فتبقى هزيلة لا تمنح الجودة الحقيقية للنص، وأهم مقوماته أن يكون متنفساً للحالة الداخلية ويلامس الهمّ الإنساني ويحكي قصصهم، وأعتقد أن شهرة الكثير من الأدباء السوريين والعالميين أتت من ملامسة الواقع بأسلوب ساخر.
«رأس حربة» في طعن كل ما هو خاطئ
الإعلامي سامر منصور ارتأى أن الأدب الساخر «رأس حربة» في وجه المتناقضات والمفارقات التي تحدث في المجتمع، وأحد شروطه البلاغة بالضرورة أي لمحة دالة أو التقاطة خاطفة ومؤثرة، ولأننا في عصر الأدب الوجيز يمكن القول إن الأدب الساخر من سماته الواقعية والقرب من الشارع وعدم الذهاب باتجاه السريالية والرمزية بقدر ما يكون واقعياً وقريباً من القضايا الاجتماعية، لأنه بالأساس يرصد تناقضات المجتمع المعيشة، وأشار منصور إلى أن هناك تراجعاً في الكتابة في هذا المجال، والسبب وجود حالات فردية وهو بحاجة إلى حماية ودعم من الجهات المعنية ليستطيع أخذ دوره، وبرغم امتلاك الشعب السوري مقومات «النكتة» السريعة المنتشر أغلبها على صفحات التواصل الاجتماعي إلا أنها لم تتبلور لتصل إلى منتج أدبي يمكن أن نصنفه ضمن الأدب الساخر، إضافة إلى أن المسرح شكّل في مرحلة ما عبر مسرحياته حاملاً مهماً له، نأمل أن نذهب بهذا الاتجاه، صحيح أن هناك مسرحاً ساخراً ولكن يطغى عليه «التهريج» وهوامش عريضة من الابتذال، ولا يذهب باتجاه نصوص أدبية لأدباء ساخرين بمستوى عالٍ، إنما يذهب باتجاه الشعبوية بهوامش من الابتذال والإسفاف، وهذا يعود لعدم وجود قطاع خاص بالمسرح لدينا وتالياً لا يوجد تنافس فالدولة هي الراعي الرسمي له، إضافة إلى أن هناك اعتبارات تطغى على مسألة الجودة والكفاءة في هذا المجال.

شاهد أيضاً

الفنان “عامرزيان” على موعد مع جمهوره في قطر

شام تايمز – متابعة يستعد الفنان “عامر زيان” لإحياء حفلة غنائية يوم 4 حزيران في …