يفرد نقاء سريرته أمامك، فيصير النقاء ملعباً للحديث.. وأسأله عن الحال، فيقول: مستورة!.. ثم تكتشف أن الكلمة خرجت عفو اللسان.. فما من ستار قادر على تغطية المرئي، ولا من حجاب يخفي عالماً من الجفاف مرسوماً على الجدران، أو اليباب النائم في وسائد خشنة ميتة فوق خشونة الحصير… تحاول التخفيف عنه.. وتقول: هذا زمن رمادي!.. فتخرج من أعماق رئتيه تنهيدة محتبسة، ويرميها في فضاء الغرفة.. ولا ينسى ابتسامته، لأن العرف عنده ألا تبخل بابتسامة على ضيفك، مهما كان حجم الدموع في عينيك..
تسأله عن الأولاد، ويجيب: أربعة في المدرسة، وخامسهم هذا الذي بدأ يتعلم الآن المشي والكلام… ترفع حاجبيك من دهشة: لماذا أكثرت، وأنت تدرك ضيق الغرفة؟… يضحك.. يبرر: إنهم زينة الدنيا.. ثم يضيف: لا يعرف المرء كيف يتدحرجون!… نقول هذا هو آخر العنقود، في اللحظة التي يكون القادم الجديد قد حجز مكاناً له في فضاء الغرفة.. كأنما المهد لا يطيق الفراغ!.. وتستدرجه إلى هموم العمل فيحدثك عن المعمل، وأنوال النسيج، وامتداد الخيطان إلى معاقل الإبر، لتخرج ألواناً ربيعية التلاوين. ويضيف: الآلات أضحت قديمة لا تسمح بغفلة من عينيك، ولا بد من يد تربط ما يتقطع باستمرار. يمسح بكفّه الخشنة على لحيته غير المحلوقة منذ أيام, فيصدر عن الاحتكاك صوت مبرد يمرّ على حديد.. ويعتذر: كنت أحلقها كل يوم.. فصرت أحلقها كل أسبوع.. هكذا أفضل.. أريح للبشرة، وأوفر للوقت… والمشكلة ليست في الأكل.. المشكلة في الدواء المفروض عليَّ بقية ما تبقّى لي من العمر.. هو باهظ الثمن أصلاً.. وقد ضاعفوا المحلّي.. ولعنوا أنفاسنا بالمستورد… والحل؟! ما كان يُفترض أن أتناول منه ثلاث حبات في اليوم.. اختصرتها إلى حبة ونصف الحبة.. والحبتان صارتا حبة.. والحبّة إلى النصف.. والأعمار أقدار..
وفي المحصّلة.. هي مستورة!.. مستورة جداً يا صاحبي.

وليد معماري