الشريط الإخباري

الأنظمة العالمية لغرف التجارة

تعتبر غرف التجارة وبخاصة في أوروبا ذات تاريخ عريق فهي تعود لمئات السنين وهي وريثة المجالس التجارية ونقابات التجار والصناع وأصحاب الحرف حيث كان الهدف من هذه النقابات المحافظة على مستوى المهنة وتطوير الإنتاج وتمكين أصحاب المهنة من الدفاع عن مهنتهم عبر انتخاب ممثليهم في هذه النقابات.

وكانت هذه الاتحادات بشكل عام تمثل تجمعاً للتجار والحرفيين في مهن معينة يتعاهدون بقسم معين على إتباع نظام الاتحاد وأصول المهنة واحترام السلطة المشرفة عليه. إلا أن هذه الاتحادات وبخاصة في أوروبا ونتيجة التطورات الاقتصادية لم تستطع التكيف مع الأوضاع الجديدة بعد توسع حركة الإنتاج ودخول المجمعات الصناعية بدل الورش الصغيرة مما أدى أخيراً في عام /1789/ إلى إلغاء هذا النظام نهائياً مفسحة المجال أمام الغرف التجارية التي ظهرت منسجمة بشكل أكبر من فكرة حرية العمل والتجارة وجمعت بين المصالح المختلفة ونشرت المعرفة والتوسع التجاري.

إذاً الغرف التجارية بشكل عام وفي أوروبا بشكل خاص هي وريثة المجالس التجارية ونقابات التجار والاتحادات المهنية وكان لها وضع قانوني مناسب ضمن قانون الجمهورية الفرنسية وهذا النظام يختلف بشكل أساسي عن النظام الانجلو- ساكسون الذي تعتبر بموجبه الغرف منظمات خاصة ذات عضوية اختيارية.

أثر تراجع دور الاتحادات بدأت الغرف تظهر في أوروبا، ولقد جاءت التسمية من اللغة الفرنسية (CHAMBRE) وكانت تطلق على مجلس الوزراء وعلى المجالس التمثيلية الأخرى هناك، ولا شك أن الفرنسيين استعاروا الكلمة من الاتحادات الاقتصادية للدلالة على أن القصد منها أن تكون كمجلس أو جمعية تجمع التجار ومن ثم انتقلت التسمية إلى بقية دول العالم.

وأول اتحاد سمي “غرفة” كان في مدينة مرسيليا، بفرنسا، وذلك في عام /1599/ ولقد لعبت هذه الغرفة دوراً كبيراً في توطيد القانون التجاري والرسوم الجمركية، كما عهد إليها بتعيين القناصل، وتنظم البعثات التجارية.

وأدى نجاح هذه الغرفة الباهر إلى قيام الملك لويس الرابع عشر في عام /1700/ بإنشاء غرف تجارية في عدد من المدن الفرنسية الهامة، ولما جاء نابليون بونابرت أصدر قانون الغرف في عام /1804/ الذي طور اختصاصات الغرف وتنظيمها.

ولقد تأثرت البلاد الأوروبية الأخرى من التجربة الفرنسية فظهرت “غرفة تجارة فرانكفورت في ألمانيا عام /1707/” و “غرفة تجارة تورينو في ايطاليا عام /1729/”.

أما في انجلترا فلم تنشأ الغرف على أساس مؤسسات مدعومة من قبل الحكومة تعين السلطة مجالس إدارتها، بل وجدت كمؤسسات مستقلة عن أي دعم أو تدخل حكومي، ولقد نقل الانجليز هذا النوع من الغرف إلى مستعمراتها وهكذا وجدت “غرفة تجارة جرسي في انجلترا عام /1768/” و “غرفة تجارة نيويورك عام /1768/” و “غرفة تجارة اديلاند في استراليا عام /1810/” .

أما في العالم العربي فتعتبر غرفة تجارة دمشق ما أقدم هذه الغرف إذ يعود تأسيسها إلى عام /1830/ حسب الفرمان العثماني الصادر بهذا الخصوص أما أول قانون رسمي فيعود إلى عام /1892/، وغرفة تجارة حلب التي تأسست عام /1303/ للهجرة (1885 ميلادية) باسم “حلب تجارت وزراعت اوضه سي”.

ومع ازدياد حجم التجارة والصلات بين الدول ازداد عدد الغرف التجارية وأصبحت مؤسسات يزداد اختصاصها ويتوسع دورها في الحياة الاقتصادية، وذلك لدعم الحركة التجارية ولتسهيل الاتصال بين المستوردين والمصدرين.

الغرف الاقتصادية على اختلاف أنواعها من غرف للتجارة والصناعة والزراعة،هي اتحادات لتمثيل المصالح المتماثلة لأعضائها من أرباب الأعمال في منطقة جغرافية معينة، وتقوم بالعمل على التأثير في سياسة الحكومات الاقتصادية وفي تطوير التجارة والصناعة والزراعة والأعمال التقنية والفنية والإدارية، وتعتبر الغرف من المؤسسات الاجتماعية التي تهدف إلى تطوير المجتمع من خلال دعم وتطوير الفعاليات الاقتصادية والإنتاجية، وهي من المؤسسات التي لا تهدف تحقيق أي ربح مادي وإنما خدمة أعضائها وخدمة المجتمع.

ومن نشرة أصدرتها “غرفة تجارة الولايات المتحدة” في مدينة واشنطن بعنوان تنظيم غرفة التجارة- دليل للمجتمعات التي تهدف تنظيم غرف تجارة” يمكن ذكر التعريف التالي للغرف التجارية:

الغرفة التجارية مؤسسة لا تهدف تحقيق أية أرباح مادية، تمول على أسس طوعية وتؤسس لتدفع إلى الأمام المصالح التجارية والمالية والصناعية والمدنية لمجتمع ما و لتسمح لأصحابها بأن يتواصلوا بشكل جماعي إلى ما لا يستطيع أي منهم أن يتوصل إليه بشكل إفرادي.

وفي سورية، يمكن تعريف الغرف على ضوء ما جاء في القانون رقم (133) لعام /1938/ والقانون رقم (131) لعام /1959/ لتنظيم الغرف التجارية والصناعية في سورية كالتالي:

(الغرف مؤسسات ذات نفع عام تتمتع بشخصية اعتبارية غايتها خدمة المصالح التجارية وتمثيلها والدفاع عنها والعمل على ترقيتها).

إن كلمة غير ربحية لا يعني أن خدمات الغرف يجب أن تكون مجانية بل إن المقصود هو ألا تضع الغرف الربح المادي كهدف أساسي تسعى إليه، بل أن تكتفي بالرسوم والاشتراكات الضرورية لتمويل نشاطاتها والتي تختلف من غرفة إلى أخرى.

أما بالنسبة للمشاريع المستقلة التي تديرها بعض الغرف، فمن المفروض أن تكون لها ميزانيات خاصة بها حسب القوانين المرعية، وبالتالي فإن جمع الأموال في الغرف ليس غاية بحد ذاته بل هو وسيلة لتحقيق أهداف الغرفة في حماية المصالح التي تمثلها وخدمة أعضائها، أكانوا من القطاع العام أو الخاص، وخدمة المجتمع عامة.

إن هذا الاستعراض السريع لتاريخ وأنظمة وأهداف الغرف يضع الغرف السورية في صلب التحديات لتكون مرجعاً وممثلاً للفعاليات الاقتصادية بالإضافة لدورها كمستشار اقتصادي للحكومة في مرحلة الشراكة التنموية لتعزيز التعافي الاقتصادي.

 

كتبه: د. عامر خربوطلي

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …