العـرض المسرحي «طمِّيمـة» متعة الأداء عالي الإحساس معـززٌ بنهاية مفتوحة

جاء عرض المسرح القومي في دمشق «طمِّيمة» الذي أوفدته إدارة المسرح لعرضه على مسرح دار الثقافة في حمص، في أمسيتين متتاليتين، لكاتب نصّه «شادي كيوان»، دراماتورج «كفاح الخوص»، عرضاً متماسكاً تتوافر فيه كل المقومات الفكرية والدرامية، بأسلوب واقعي للمخرج «عروة العربي» الذي تميّز في قدرته على إدارة فريق التمثيل، نُسج العرض من خيوط ما تركته الحرب من أثر في نسيج علاقاتنا الاجتماعية.
قدّم في بدايته ارتباك شخصية (سيف/ يزن خليل) في البوح بحبه لـ (ليلى/ مرح حسن) خطيبة صديقه المهاجر (طارق/ كفاح الخوص)، في غمرة انشغالهما باستعراض صورها تحت المطر، وتجفيف شعرها، بما أنه يعلمها فن التصوير، وبرغم صدها له لأنها خطيبة صديقه، لكن معاناتها فراغاً عاطفياً بسبب غياب خطيبها تدفعها لأن تقدّر لسيف مشاعره نحوها، بعد أن هجرته حبيبته (نايا / مرح حجار) منذ 6 أشهر، ففي لحظة لمسها انكسار مشاعر سيف تضمه وتقبله. لكن العرض، سرعان ما ينقلنا من حرارة تبادل مشاعر الحب، إلى خطر قادم يبددها، يمكن تسميتها بوحدة درامية ثانية، فنسمع دقات على باب غرفة سيف وصوت صديقه (حسام/ كرم الشعراني) يهدد بخلع الباب إن لم يفتح، فيسارع سيف إلى تخبئة ليلى بخزانة ملابسه، على أمل أن يصرف صديقه خلال دقائق، لكن حسام المشتاق، لسيف المتواري في غرفته هرباً من الخدمة الإلزامية خلال سنوات الحرب هذه، ومستبدلاّ رقم هاتفه برقم آخر، كما يُفهم لاحقاً، يصر على السهر مع سيف والنوم عنده، فيبدأ بالشرب من زجاجة الويسكي التي اصطحبها معه، لينتقل العرض إلى نسج لعبة حرق أعصاب جمهوره، الذين سيتعاطفون مع ليلى، ومع سيف الذي تخفق محاولاته في طرد صديقه، ومحاولة عرضه السهر في مكان عام. فيتشاركان سيف والجمهور بالخوف من انكشاف مخبئها، وهذه لعبة أجاد العرض الاشتغال عليها إذ اجتهد سيف أكثر من مرة في إبعاد حسام وطارق عن فتح الخزانة لأسباب عدة، فكانت وحدة درامية مشعةً جعلت من العرض عملاً شائقاً للجمهور، ولتبدأ الوحدة الدرامية الرابعة بحضور طارق الذي تآمر مع حسام مفاجئاً سيف، وقد منحه مرسوم العفو عن مواليده من الخدمة، فعاد بزيارة للبلد، وبعد استعادة بعض الذكريات المشتركة لهما في الغرفة، يغيبان للحظات ويُحضران حبيبة سيف التي هجرته (نايا/ مرح حجار) ومعهم قالب كاتو ليحتفلوا بعيد ميلاده، الذي بدؤوه برمي مفرقعات ملأت قلبه رعباً إلى أن علم ما الأمر، وبهذه الوحدة الدرامية الخامسة ينكشف تآمر الأصدقاء على سيف بأنهم رتبوا هذه الزيارة، لكن التصاعد الدرامي يصل ذروته مع الوحدة الدرامية السادسة إذ كشفت نايا لسيف معرفتها علاقته بليلى وإشارتها له بخيانة صديقه، قالت ذلك بعد أن رفض العودة لها، لكن من دون أن يسوّغ لنا العرض درامياً أسباب هجرانها له، فيشتد الصراع درامياً بين الشخصيات من جرّاء المكاشفات بعد مغادرة نايا، ويكون العرض قد وصل للوحدة الدرامية السابعة، فما إن يلمّح حسام لعلاقة سيف بليلى حتى يشير سيف لمحاولات حسام باقتناصها كطريدة لشهواته، ثم يكتشف طارق علاقة سيف بليلى حين أراد أن يخابرها لتأتي ويعرف منها الحقيقة فيرن هاتفها في الغرفة، ثم يرى جهاز اللابتوب والكاميرا خاصتها، فيسوّغ له (سيف) أنها نسيتها هنا، وبعد مشاحنات تكشف دواخل الجميع يقول سيف لطارق: ليس من حقك أن تسأل عنها أو تدافع عنها طالما أنك تركتها وسافرت، وأنت متزوج من ألمانية وتنتظر مولوداً، فيدافع طارق عن نفسه بطريقة هجومية فيدين ليس فقط الأصدقاء بل كل أفراد المجتمع، فرآنا جميعاً نختبئ لكن بأشكال مختلفة، وعن نفسه قال: اختبأت بالسفر من خدمة العلم، وأنت يا سيف اختبأت منها بغرفتك، وحسام وراء شخصية متنفّذة، وامتلك باراً فخماً، ومضى يعدّ كيف اختبأ الناس في مجتمعنا. ثم يغادر بعد مغادرة حسام، ليطمئن قلب سيف فيغلق باب غرفته ويسارع للخزانة يفتحها فلا يجد ليلى، فيفقد صوابه ويبحث عنها في كل أرجاء الغرفة، وفي غمرة هذا الموقف يرمي بالعلب الكرتونية التي تراكمت في صدر الغرفة من جهة اليمين واليسار، ونستغرب كمشاهدين كيف أزاحها بضربات خفيفة مع أن الحوار الذي دار بينه وبين حسام وطارق أفادنا أن فيها ما تبقى من منزل أهله في مدينة درعا التي نزح منها، ثم يزيح الخزانة التي تصدّرت الغرفة وكانت قد غطت نافذة تطل على جبل قاسيون، وفق انتقادات حسام له، إلاّ أنه لم يجد ليلى فيهرع للشارع آخذاً معه صدمتنا كمشاهدين أيضاً بغيابها، بحثاً عنها، ولنبقى كمشاهدين مرة ثانية وجهاً لوجه مع الغرفة التي ملأها مصمم الديكور (محمد كامل) بطاولة وكرسيين فقط، في منتصفها، وبمغسلة على يمينها وفي أسفلها توضعت زجاجات الماء، المقطوعة. والسرير الذي ضمّ أجساد الأصدقاء، والمدفأة التي لم تشتعل فقط لعدم وجود المازوت بل لانتفاء مشاعر الألفة بين الأصدقاء، ومع هذا الخواء الذي لم يضئه (أدهم سفر) طوال العرض سوى بلمبة صفراء واحدة، تشبه ما ستؤول إليه مشاعر الأصدقاء، وفي فترة انقطاع الكهرباء درامياً استخدم الشمع. في لحظة الخواء نسمع أغنية بصوت (عبد الله عطفة)، كلمات (كفاح الخوص)، ألحان (حسين عطفة)، تتحدث عن ليلى التي هربت من (ديب الحكاية وتخبّت بقلب الصياد فضاعت بقلب البلاد). وبهذه النهاية المفتوحة على التأويل والرمزية، تكتمل الوحدة الدرامية الثامنة، لكنها لا تختتم العرض، بل نأت به عن التقليدية في النهايات الدرامية التطهيرية، وهذا ما سيعطيه عمراً أطول في ذاكرتنا كمشاهدين وقد امتلأنا بأداء عالي الإحساس من قبل فريق التمثيل بالأبعاد النفسية والشعورية لشخصياتهم أو شخصياتنا، أداءً واقعياً مطعماً بملامح كوميدية من كرم الشعراني، أضفى حيوية يحتاجها العرض الذي يشبه أفعالنا التي نأت عن الكثير من القيم خلال سنوات الحرب.

نضال بشارة

تشرين

شاهد أيضاً

“اقتصاد الإبداع” محور منتدى المدن الثقافية العالمي في دبي

شام تايمز – متابعة تستضيف دبي للمرّة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فعاليات “منتدى …