أصحاب (الأكمام السوداء) والروتين

ثمة أشخاص كانوا يلبسون أكماماً سوداء طويلة من قماش الساتان لمنع توسخ أطراف القمصان البيضاء التي كانوا يرتدونها في عملهم الوظيفي. ورغم أن الغاية كانت مفيدة في حينها لجهة الرتابة والأناقة.
إلا أن عبارة (أصحاب الأكمام السوداء) تحولت لترمز لاحقاً للأشخاص الذين يتقيدون بحرفية القانون ويتمسكون بقداسة النص وجلالة الكلمة ويعتبرون الروتين من أهم عناصر نجاح العمل ويبتعدون بذلك عن تحمل المسؤولية ويلقون باللوم على القوانين والتشريعات الجامدة دون أي محاولة لتعديلها أو قراءتها بصورة مرنة وعصرية تتماشى مع الظروف والاحتياجات الجديدة.
يجب التأكيد بدايةً أن الروتين بحد ذاته ليس أمراً سلبياً أو مظهراً إدارياً متخلفاً لأنه بكل بساطة يمثل كماً الترجمة (Route) (الطريق) فإما أن يكون هذا الطريق معبداً وسهلاً وقصيراً وإما أن يكون صعباً ومعقداً وطويلاً.
فالإجراءات التي يتم وضعها للوصول إلى غايات محددة يجب أن تكون واضحة وسلهة التطبيق وأن تكون الغاية أهم من الوسيلة المتبعة لانجازها فاللوائح الوظيفية يجب أن تخدم الموظف لا أن تكون عبئاً عليه ويستطيع أن يتكيف معها في تفسير خطوات العمل.
المرونة والتطوير تمثل أهم صفات الإدارة الناجحة، فكما أن الاقتصاد يتطور والعلم يتطور والاحتياجات تزداد فإن الإدارة ينبغي أن تواكب كل ذلك بقدرة كبيرة على كسر القوالب الجامدة والتشريعات القديمة والأنظمة المعقدة.
واليوم تحتاج سورية بعد أزمة قاسية مرّت بها وبعد أن بدأت مشروعاً طموحاً للإصلاح الإداري لتحقيق أعلى درجات المرونة والشفافية والكفاءة الإدارية أن تنزع جميع الأكمام السوداء المتبقية من عقول مترددي الإصلاح ورماديي التطوير الإداري للولوج إلى مرحلة جديدة من الانتعاش الإداري والاقتصادي.

كتبه: د. عامر خربوطلي

شاهد أيضاً

عنق الزجاجة

بلغة بسيطة يفهمها الجميع المطلوب من الاقتصاد السوري أن يخرج من عنق الزجاجة التي دخل …