شام تايمز – خاص
رغم قطع معظم الدول العربية علاقتها السياسية والاقتصادية مع سورية منذ سنوات عديدة واتخاذها إجراءات حادة في سبيل إضعاف الدولة السورية من خلال دعمها المستمر والعلني للمجموعات الإرهابية المسلحة، إضافةً لتعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية وغيرها الكثير من الإجراءات، إلا أن الدولة السورية بقيت فاتحة أبوابها لكل أشقائها العرب شرط التعاون مع الرسمي والتنسيق المباشر “فوق الطاولة” مع أجهزة الدولة السورية.
الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي الدكتور “أسامة دنورة” أكد لـ “شام تايمز”، أن السعي السوري للبقاء في الحضن العربي ليس محصوراً بالانتماء للمنظومة الرسمية العربية الممثلة بجامعة الدول العربية، رغم أن هذا الانتماء له فوائده وله ضروراته على مستوى هذه المنظومة العربية لارتباطه بمفهوم الأمة العربية والشعب العربي والقضايا العربية.
وبيّن “دنورة” أن الدوافع السورية لا يمكن أن تقاس بالمصلحة؛ بل هل قضية تاريخ وهوية وانتماء، مشيراً إلى أن الانتماء لا يقاس بالفوائد والمصالح وكما يقال “الهوية ليست ثوب يخلع بل هي جلد لا ينزع”، وبالتالي فالانتماء التاريخي والحضاري واللغوي والثقافي لا يمكن تجاهله.
وأوضح “دنورة” أن المجتمع الذي يقرر أن يقاطع التاريخ هو عملياً يعيش حالة عدم تعيين حضاري أو ثقافي وبالتالي هو عرضةً لاستقبال الهويات الوافدة كالهوية “المعولمة” والتي تكون فيها الهوية الثقافية مفتاحاً للهوية الاقتصادية وبالتالي الانسياق في تيار العولمة السياسية أو الهيمنة السياسية الغربية التي يتم فرضها على كل دول العالم من بينها سورية.
وأشار “دنورة” إلى أن الانتماء العربي يعود بالنفع على سورية اقتصادياً، لافتاً إلى أن البلاد المتجاورة جغرافياً لابد أن يكون بينهما تبادل تجاري وتنسيق أو تحقيق تعاون اقتصادي مباشر في مجالات الزراعة والإنماء والاستيراد والتصدير وغيرها؛ كل هذه فوائد تفرضها الجغرافية على أي دولة، منوهاً أن من يرفض التعاون مع دول مجاورة له يعزل نفسه اقتصادياً عن الطبقة الأولى والأكثر التصاقاً من مصالحه الاقتصادية.
وحول إعلان سورية تخليها بشكل مباشر عن أوروبا بدعوة للتوجه نحو أي اقتصاد قائم وغير مسيّس وذلك على لسان وزير الخارجية الراحل “وليد المعلم” بقوله: “سوف نمحي أوروبا عن الخارطة”، أشار “دنورة” إلى أن هذا التخلي عن أوروبا أتى بمعنى التخلي عن المراهنة على دور أوروبي مستقل سياسياً واليوم أكثر من أي وقت مضى نجد عدم استقلال الإرادة السياسية الأوروبية لارتهانها للأوامر والتوجهات الأمريكية، منوهاً أن ذلك بات ظاهراً اليوم بالمسألة الأوكرانية، الأمر الذي دفع الدولة السورية للتخلي عن الاعتماد الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي.
وقال “دنورة”: “إن القطيعة مع أي دولة أو مع أي تكتل اقتصادي قد يكون مضراً ولكن إذا كانت العلاقات الاقتصادية قابلة للتسيس أو أنها تلحق ضرراً بالدولة السورية أكثر من فوائدها فهنا يجب عليها أن تتخلص منها، وإن استمرت هذه العلاقة فإنها يجب أن تكون حذرة دائماً في علاقتها كي لا تتحول إلى أداة ضغط أو ورقة ضغط سياسية”.
وأوضح “دنورة” أن عزل سورية لنفسها اقتصادياً عن محيطها العربي هو خسارة كبيرة لكن هذا لا يعني أن الأولوية لن تكون نحو التوجه شرقاً، مشيراً إلى أن هذا الأمر تم الإعلان عنه من قبل المسؤولين السوريين، منوهاً بأن الأولوية سوف تكون للتواصل والانضمام للدول التي كانت داعمة للدولة السورية سياسياً والتي يمكن القول بثقة أنها لن تستخدم ورقة العلاقات الاقتصادية في الإطار السياسي أي بمعنى “لن تسيّس الاقتصاد”.
ونوّه “دنورة” أن استراتيجية التوجه نحو الشرق إلى مجموعات اقتصادية وفضاءات اقتصادية جديدة مثل “بريكس وشنغهاي” ستكون على جدول المساعي السورية للانضمام إليها والخروج من الهيمنة الغربية على مجموعات اقتصادية موجودة سابقاً، مشيراً إلى أن الهيمنة شبه الكلية للغرب على الشأن الاقتصادي والمالي العالمي، بدأت تُكسر بشكل جدّي عن طريق هذه المجموعات.
ولفت “دنورة” إلى أن الاندماج بفضاءات اقتصادية جديدة يسبقه مراحل متعددة أولاً مراعاة للظروف السياسية والاقتصادية لهذه المجموعات، وثانياً يجب أن تكون هناك مدة طويلة من التحضير لكي يكون هناك توافق اقتصادي أو مجال للتعاون.
ونوه “دنورة” إلى أن سورية ليست الدولة الوحيدة التي تخطط للانضمام لمجموعة “بريكس” وغيرها، متوقعاً أن يكون هناك طلب سوري عاجلاً أم آجلاً للانضمام إلى المجموعة، معتقداً أن هذا الطلب سيحظى بالتأييد.
واعتبر “دنورة” أنه كلما أصبحت الحرب على سورية من الماضي؛ كلما تكشفت أوراق هذه الحرب وبان معها مدى تسيس العقوبات والإجراءات أحادية الجانب الغربية المفروضة على سورية، منوهاً بأن ذلك سيجعل قبول سورية ضمن المجموعات الاقتصادية المستحدثة المتحررة من النفوذ الغربي أكثر احتمالاً وأكثر قدرةً على التحقيق من