الجرأة وميزان الواقع

بقلم: فؤاد مسعد

حملت كلمة (جرأة) سحرها وألقها على مر الوقت وكثيراً ما كانت المفتاح الذي يلج من خلاله صنّاع العمل الدرامي إلى قلوب ووجدان المشاهدين، والمُتابع لمسيرة الدراما السورية عبر تاريخها منذ أيام الأبيض والأسود وحتى الآن يجد أنها كانت دائماً الأكثر جرأة والساعية إلى طرح الإشكالي من الموضوعات قد تنوس أحياناً وترتفع وتيرتها أحياناً أخرى ولكنها كانت دائمة الحضور، محققة اختراقات هامة عبر العديد من الأعمال التي صورت في سورية، غاصت إلى عمق قضايا المجتمع التي نتلمسها في حياتنا محاولة نبش المكامن المخبأة والمسكوت عنها بصدق وبطريقة فنية جاذبة، فشكّلت خياراً فنياً وإبداعياً كان الرهان فيه دائماً على ضمير المبدع ووعيه لرسالته الاجتماعية والأخلاقية والفنية إضافة إلى مشروعه الإبداعي الذي يشتغل عليه بشغف وقناعة وحماس، انطلاقاً من فكرة أن الجرأة مطلوبة ولكن بالوقت نفسه ينبغي أن تتحلى بالمسؤولية وتساهم في التنبيه والتوعية تجاه مختلف المشكلات، فمعيار الجرأة تحدده طريقة المعالجة التي يُقدم عبرها العمل القائم على المُكاشفة الموجعة والتوغل في الواقع وتلمس الحار منه.

ولكن هل يمكن وضع الأعمال التي تقدم موضوعاتها بجرأة كلها في سلة واحدة؟، وهل كل خروج عن المألوف يُسمى جرأة؟، وما سمات العمل الذي يتمتع بالجرأة حقاً؟، ومتى تلامس جرأته الواقع في الصميم؟، ما حدود الجرأة ومعاييرها في العمل الدرامي؟، وإلى أي مدى تعتبر هذه الكلمة بمثابة المغناطيس الذي يجذب إليه الناس على اختلاف شرائحهم؟، وهل يمكن اعتبارها خياراً إبداعياً ضرورياً لجعل المبدع يغوص في العمق ويفتش في التفاصيل النبيلة والسيئة في المجتمع مُظهراً خفايا الأمور؟، وإلى أي مدى يمكن التمييز بين الجرأة التسويقية السطحية والجرأة الحقيقية التي تغوص إلى عمق الواقع؟، وهل للبوصلة أن تتوه بينهما؟، مما لا شك فيه أن هناك مجموعة كبيرة من الأعمال التي تمتعت بجرأة حقيقية ولامست عبر ما تناولت من موضوعات وجع الناس الحقيقي ونهلت من المجتمع ما يستحق أن يُقدم ضمن إطارها وتحت عنوانها.

يمكن اعتبار الجرأة واحدة من أهم أدوات العمل الفني الناجح اليوم، ولكن لا بد أن يكون لها شروط وضوابط، ويبقى لها القدرة على رفع سوية العمل عندما تكون في مكانها الصحيح، فما هو حقيقي يصل إلى الناس بواقعيته وصدقه، كما أن الجرأة الذكية أشبه بحصان طروادة في المحطات الفضائية في عصر كثر فيه الإنتاج الدرامي العربي واشتدت فيه المنافسة الشريفة أحياناً وغير الشريفة أحياناً أخرى.

شاهد أيضاً

الأونروا: أكثر من 150 ألف امرأة حامل في غزة يواجهن ظروفاً ومخاطر صحية رهيبة

شام تايمز – متابعة جددت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” استنكارها للوضع الإنساني المتردي …